تداول بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي (اليمنيين) صورة جوية لصنعاء، ليمارسوا على صنعاء تنمُّرهم بهذه الصورة البعيدة المتعالية، بقولهم إنها تبدو عشوائية، وكمقبرة، ومدينة غير مخططة. وهي نظرة لجزء من الصورة التي لو تم تقريبها لبدت مختلفة. فأن تسير في شوارعها وأزقتها، ستراها غير ما يراها مسافر من الجو منبهر بسواها.
يذهب أرنولد تويني في نظريته "التحدي والاستجابة" إلى أنه "ليس صحيحاً أن البيئة السهلة هي التي تنبثق منها الحضارة، فالظروف الصعبة لا السهلة هي التي تستحث الإنسان على التحضر، بل إن رغد العيش حائل دون قيام الحضارة، فالشدائد وحدها هي التي تستثير الهمم".
سيزول الاستغراب حين نعرف أن الكثير من هؤلاء المتنمرين مقيمون في الرياض وتركيا والقاهرة.
حتى ولو لم تكن صنعاء جميلة كبعض العواصم، لكنها تظل أمنا، ولا أحد يتأفف من أمه لأنها غير جميلة. وبالنسبة لي فقد سافرتُ كثيراً ولم تستطع أي مدينة أن تغريني في العيش فيها أكثر من أسبوع، ولم أر مدينة أجمل من صنعاء، ولن أعيش في سواها ما حييت.
هي أم الدنيا فعلاً، وليس مجازاً، فهي أول مدينة تبنى بعد طوفان نوح.
صنعاء مدينةٌ رابضةٌ في قلبِ التاريخ، ومضيئةٌ في صفحاتِ الجغرافيا.. إنها سيدةُ المدائن، وجوهرةُ الخريطة.
حين تتجوَّل في حاراتها العتيقة تكادُ تسمعُ تسابيحَ الأجدادِ محفوظةً في ذاكرةِ الآجُر، وتكادُ ترى التاريخَ يمدُّ يدَه من النوافذِ والجدرانِ ليصافحك.
من مناظرها ومفارجها ترى التاريخَ مسنداً ظهرَه على سورِها ينسجُ حكايةً طويلة، قوامُها الإنسانيةُ والمحبة والترابط الذي يجعل البيوتَ كلها تبدو بيتاً واحداً، والمدينةَ كلَّها تبدو كأنها أسرةٌ واحدة.
لصنعاءَ سبعةُ أبواب، وللجنةِ أيضاً سبعةُ أبواب.. كلُّ بابٍ يوصلُكَ إلى دهشةٍ لم تكن تتوقعها، كأنكَ عبرتَ آلةَ الزمن ودخلتَ التاريخَ من كلِّ أبوابه.
لستَ مضطراً لتغييرِ لهجتكَ حين تدخل من أحدِ أبوابها، فصنعاءُ هي المدينةُ التي لا تسألكَ من أين أنت، أو من أين جئت.. فقد عرفَتْ هذه المدينةُ التعايشَ منذ آلافِ السنين كواحدٍ من مبادئها.
سورُ صنعاءَ القديمة، يبدو كأنَّ التاريخَ خطَّه بإصبعه ليحصرَ الحضارةَ كلَّها بداخلِ هذا السور، فقد كانت صنعاءُ حاضرةً ومتحضِّرة.. في حين كانت بقيةُ الحضاراتِ مجردَ فكرةٍ في خاطرِ الغيب.
* نقلا عن : لا ميديا