مثلما لا يجتمع الحكم الرشيد في أنظمة البترودولار، ولا تجتمع الديمقراطية في اقتصادات أنظمة الريع النفطي والغازي، فإن تدفق النفط والغاز إلى أسواق دول الهيمنة يقتضي بقاء هذه الأنظمة تابعة ومرتهنة، وكل ثورة أو دعوة إليها في المنطقة ينبغي أن توأد في المهد. ولقد تعرضت الأنظمة الثورية في المنطقة، في مصر عبدالناصر والجزائر وليبيا واليمن بشطريه والعراق وسورية وحتى إيران الجمهورية، لمؤامرات دول المتروبول العالمي، وبالتعاون مع أنظمة البترودولار في المنطقة؛ لأن من شروط تدفق النفط والغاز إلى دول الهيمنة بقاء المنطقة تحت السلطات التبعية والارتهان.
ومنذ تأسست أنظمة البترودولار وهي توظف جزءاً من عائداتها النفطية في تمويل كل ما من شأنه الحيلولة دون نجاح ثورة في المنطقة. هكذا درجت منذ بداية خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم. ولعل خير شاهد على حكمنا هذا ما شهدته ثورة الشباب أو «الربيع العربي» في العقد الأخير. وحتى تسمية «الربيع العربي» وأد للثورة على ساحة تزييف الوعي وفي سياق حرب المصطلحات والهيمنة عليها. فلقد أخذ مفهوم ثورة الشباب يتغير في الأسابيع الأولى لاندلاعها، وأوكلت دول الهيمنة لأطرافها التابعة في المنطقة مهمة وأدها وتوظيفها من أجل خلق أنظمة تابعة تشبهها، كما سعت أنظمة البترودولار إلى إعادة بناء المنطقة، بحيث تخلق داخل الدول التي شهدت ثورة الشباب مؤخراً أنظمة تابعة لتبعيتها. وفي حال نجاحها تكون أوصلت تآمرها القديم إلى نهايته وأجهضت الثورات وحولت تلك الدول من الثورة إلى التبعية والارتهان.
وشن الحرب العدوانية على ثورة 21 أيلول/ سبتمبر وتمويل الجماعات المسلحة في كل من اليمن وسورية وليبيا يأتي ضمن سياق وأد الثورات القديم الجديد.
إذا كانت الثورة في الأدبيات السياسية تعني الانتقال بالمجتمع من نمط إنتاج اقتصادي إلى نمط أرقى، كما حدث في الثورة الفرنسية الأم والثورة الروسية، أو ثورة استقلال من احتلال خارجي كما حدث في غير بلد رزح تحت نير الاحتلال، فإن الثورة اليوم لها خصائص وسمات أخرى، فإذا لم تك تعني الخروج من تحت نير التبعية والارتهان فما عساها أن تكون؟!
ولقد جاءت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر ضمن هذا السياق، وذلك باعتبارها ثورة تحرر واستقلال من تبعية البلد ووصاية السفراء على قراره السياسي. ولذا فإن شعبنا قد قدم قوافل من الشهداء وكماً جسيماً من التضحيات قربانا لهذه الغاية النبيلة. وتخلقت في معمعان المعركة إرادات حرة لن ترضى بغير الاستقلال والحرية وكنس الاحتلال والعمالة إلى غير رجعة.
* نقلا عن : لا ميديا