جاء التدخل السعودي في اليمن بناء على استراتيجية سعودية تجاه اليمن قائمة على أساس جغرافي سياسي (جیوسیاسي/جيوبولوتيكي)، مرتبط بنشأة الدولة السعودية التي مثلت أنموذجاً للدولة التوسعية في المنطقة، وجاءت الدولة الصهيونية لاحقاً لتبني على هذه التجربة السعودية.
منذ القرن التاسع عشر وقبل تشكل المملكة الراهنة (الدولة السعودية الثالثة)، كانت اليمن إحدى وجهات التوسع السعودي، فقد هوجمت حضرموت في تلك المرحلة، ثم لاحقاً وفي النصف الأول من القرن العشرين، ضمت السعودية أقالیم “نجران” و”جيزان” و”عسير”، ولاحقاً منطقتي “الوديعة” و”شرورة” في حضرموت، ومؤخراً منطقة “الخراخير” في حضرموت أيضاً؛ فالعدوان الراهن ليس غريباً عن الاستراتيجية الجيوسياسية للسعودية.
إلى جانب التدخل العسكري المباشر والتوسع في الجغرافيا، اعتمدت المملكة على التأثير الناعم على اليمن من خلال آليات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مختلفة، بواسطة قنوات حكومية رسمية، وبواسطة علاقات مباشرة مع المجتمع اليمني.
قامت السعودية تاريخياً بكل التدخلات العنيفة العسكرية المباشرة وإشعال الحروب الأهلية، وغیرها من التدخلات الناعمة، انطلاقاً من تصور جیوسیاسی أن الیمن يمثل عمقها الحيوي، أي ملحقة بها وفناءً خلفياً، واستمرت هذه التصورات العدوانية وصولاً إلى التدخل العسكري الراهن.
تستهدف السعودية من استراتيجيتها الجيوسياسية العدوانية تحقيق أهداف أمنية توسعية حدودية وسياسية واقتصادية، ولطالما تقاطعت تاريخياً الاستراتيجيات الجيوسياسية السعودية مع الاستراتيجيات الجیوسیاسية الغربية البريطانية والأمريكية والصهيونية في جنوب الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، بل إن هذه الدول الاستعمارية والصهيونية تشارك في صناعة وتوجيه السياسة الخارجية السعودية لخدمة تعزيز النفوذ الاستعماري الصهيوني في المنطقة، ويتضح ذلك من وقوفها ضد القوى الوطنية القومية في ثورة 26 سبتمبر 1962، وضد القوى الوطنية الاشتراكية في ثورة 14 أكتوبر 1963، وضد القوى الاجتماعية الشعبية في ثورة 11 فبراير 2011، وضد القوى الوطنية الشعبية والإسلامية في ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، فخلال هذه الفترة تقاطعت المصالح السعودية مع المصالح الاستعمارية في مواجهة التغيرات السياسية التي تضع اليمن أمام التقدم وتعزيز الاستقلال وصون السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي.
رغم أن الرسالة الموسومة بـ”الأهمية الجيوبولتيكية لدولة اليمن في الأمن القومي السعودي” للباحثة العراقية ابتهال ناصر المحلاوي من جامعة البصرة (2022)، تقدم التبرير للسعودية ومخاوفها من التطورات في اليمن بما في ذلك “المسألة الإيرانية”، إلا أن الدراسة تشير بكل وضوح إلى عدوانية الاستراتيجية السعودية تجاه اليمن، حيث يشير مبحث “استراتيجية التحالف العشري إزاء اليمن” إلى العلاقات السعودية اليمنية تاريخياً ببعدها الجغرافي، وكذلك المحددات التي تحكم الرؤية الاستراتيجية السعودية تجاه اليمن (الجغرافية السكانية، الجغرافية الأمنية)، ثم تنطلق الباحثة لتحديد أسباب التدخل السعودي الراهن بناء على الرؤية السعودية السياسية والاقتصادية والأمنية، وتشير إلى الاستراتيجية السعودية (السياسية والدبلوماسية، والإعلامية والاقتصادية، والعسكرية)، وتبحث في الأهداف التي تتوخاها السعودية من العدوان الراهن، وهي أهداف متعقلة بـ”التصدي لإيران في اليمن”، وبعث رسالة لها أن المملكة قادرة على الدفاع عن مصالحها، وكذلك محاولة للظهور بمظهر القوة الإقليمية وتأمين مجال حيوي اقتصادي سعودي في اليمن من حيث استغلال موقع اليمن المميز المفتوح على إفريقيا والمحيط الهندي، ومن حيث مد أنابيب نفطية عن طريق الأراضي اليمنية، والسيطرة على مضيق باب المندب.
ويمكن القول إن هذا المبحث أكثر المباحث دقة في الرسالة من حيث التحليل والمعلومات، طبعاً مع محاولة الباحثة التغطية على أصالة السياسة العدوانية السعودية والافتراض أن تدخلاتها تأتي كرد فعل لدرء الأخطار في اليمن، وبعد فشل آليات التأثير الناعمة.
الاستراتيجية الجيوبولتيكة السعودية
النص كما ورد من الكاتبة مع إعادة صياغة وملاحظات وإكمال بعض المعلومات الناقصة:
تاريخياً أولت السعودية اهتماماً كبيراً لمجريات الأوضاع في اليمن كدولة جوار لاعتبارات سياسية وأمنية، واحتفظت المملكة باستمرار علاقات قريبة وتأثير واضح في التوجهات السياسية اليمنية، في مختلف المراحل.
في مرحلة الصراع بين الملكيين والجمهوريين، دعمت السعودية العمل ضد الجمهوريين من أجل استعادة السلطة، فرصدت ملايين الريالات لدعم قبائل اليمن الشمالية وعملت على إغراء العمال اليمنيين المقيمين في السعودية بالانخراط في الجيش اليمني، المقاوم للتغيير، كما قامت بالمقابل بتجميد ممتلكات الحكومة اليمنية (الملكية) في البنوك السعودية، وقد كانت تشعر بضرورة الدفاع عن “الشرعية” في اليمن الشمالي
و”درء الأخطار الماركسية” عن الجزيرة العربية، بحسب الباحثة.
مطلع السبعينيات، فرضت المملكة تسوية للصراع الملكي الجمهوري، تقررت على أساسها ملامح النظام السياسي اليمني، فغدت اللاعب الأبرز في تحديد شكل النظام في صنعاء ومحتواه، كما أن الاقتصاد اليمني ارتبط ارتباطاً وثيقاً باتفاقية عام 1970، وبالتوجهات السعودية تجاه المغتربين اليمنيين (وعملياً ربط الاقتصاد اليمني من حينها بالاقتصاد السعودي).
أظهرت السعودية “اهتمامها العدواني” أيضاً في مرحلة الحروب الست بين الحكومة اليمنية وحركة أنصار الله، انعكست تلك الحروب على أمن المملكة، وبالأخص الحرب السادسة خلال (2009ـ2010)، التي شاركت فيها السعودية بذريعة تهديد أنصار الله لأمنها (وكانت المملكة في تلك الفترة قد أتاحت للحكومة اليمنية الهجوم على صعدة من داخل قرى “جيزان” وهو ما تغفله الباحثة).
في مرحلة الثورة اليمنية عام 2011 وما بعدها، دعمت السعودية حليفها السابق علي عبدالله صالح قبل أن تلعب دوراً مهماً في بلورة صيغة سياسية انتقالية، عبر ما سميت “المبادرة الخليجية”.
كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز مسؤولاً عن الملف اليمني منذ الستينيات حتى وفاته، وكان يرأس لجنة خاصة تعنى بشؤون اليمن، وبعد وفاته اضطربت سياسة المملكة إزاء اليمن بسبب تبعثر الملف اليمني لدى الحكومة السعودية، وتراجع العلاقات مع “حزب التجمع اليمني للإصلاح” ومع أسرة الأحمر، شيوخ قبائل حاشد كبرى القبائل اليمنية، وذلك بسبب تطور الموقف السعودي من ملف الإخوان المسلمين عموماً.
تختلف وتتنوع الرؤية الاستراتيجية لأي دولة تجاه الدول الأخرى وذلك نظراً للاختلاف في تركيبة الدولة سواء من حيث جغرافيتها والتركيب الإثني لسكانها أو قدرتها أو عقيدتها السياسية، وتنطلق السياسة السعودية تجاه اليمن من مجموعة المحددات التي تشكل توجهات ومنطلقات للسياسة السعودية في اليمن، التي اتسمت بالعدوانية تاريخياً.
المحدد الجغرافي السكاني:
بحسب الباحثة العراقية ابتهال ناصر المحلاوي فإن التأثير الديموغرافي اليمني على السعودية، من حيث الجوار اليمني السعودي واعتماد المملكة على العمالة اليمنية بشكل كبير، هذا الأمر جعل علاقتها باليمن أكثر حساسية، وتركزت في اليمن أكثر مصالحها غير المشروعة مقارنة ببقية الدول، وبالإجمال بحسب الباحثة فالمملكة تسعى إلى أن يكون لها اليد الطولى في اليمن من خلال التأثير في صنع القرار اليمني، ومحاولتها إخضاع من يصل إلى السلطة تحت نفوذها، وانطلاقاً من هذا المبدأ وقفت ضد الثورات والتحولات اليمنية التقدمية 26 سبتمبر، 14 أكتوبر، 22 مايو، 21 سبتمبر.
المحدد الجغرافي الأمني:
تمثل اليمن بالنسبة للمملكة السعودية العمق الاستراتيجي نظراً للتقارب الجغرافي بين الدولتين، اللتين ترتبطان بشريط حدودي بري طويل وثلاثة منافذ رئيسة ونظراً للتقارب الجغرافي والثقافي والامتداد التاريخي وما تمثله اليمن من أهمية استراتيجية بالنسبة للسعودية فإن الأخيرة تنطلق في توجهاتها تجاه اليمن من مقولة: “أمن اليمن من أمن المملكة”.
بناءً على هذا الثابت الجغرافي التاريخي، تضاعف السعودية من اهتماماتها باليمن من منطلق عدواني، فتتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وتراقب أدنى التحولات وتتدخل فيها، إذ تنظر نحو كل تغيير في اليمن باعتباره مؤثراً سلبياً عليها، فتستخدم كل وسائل التأثير الناعم والعنيف، وتستخدم التغلغل السياسي داخل النظام السياسي اليمني من خلال الارتباط ببعض الشخصيات القبلية والتنظيمات السياسية والدينية سواء داخل السلطة أو المعارضة.
فالمملكة ترى أن اليمن فناؤها الخلفي وتعطي نفسها الحق بالتدخل فيه، وبحسب المؤرخ والمفكر التقدمي اليمني الدكتور محمد علي الشهاري في كتابة الموسوم بـ”معالم سياسة العدوان السعودية تجاه اليمن”، “فالرجعية السعودية لا تعتبر أن ما يحدث في اليمن شؤون داخلية تخص شعبها، وإنما عمل خارج على حقوق الوصاية التي منحتها نفسها، وتريد فرضها على اليمن وإرغامها على تقبلها، ولو بقوة الحديد والنار”.
وتركز السعودية على الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تشكله اليمن لدول المنطقة بصورة عامة والمملكة بصورة خاصة، فهي ترى أن التغيرات في اليمن من الممكن أن تنتقل إليها، وتنظر بقلق إلى ضعف أجهزة الدولة في اليمن، إلا أن الباحثة تتجاهل الدور السعودي التاريخي في إضعاف اليمن وضرب كل محاولات إقامة دولة مركزية فالسعودية ليست فقط في موقع المتخوف من انهيار الدولة في اليمن بل هي في آن في موقع المتسبب الفاعل في إضعاف الدولة اليمنية وهدم كل تطور وتراكم تاريخي في البلد.
محددات توجهات ومنطلقات السياسة السعودية تجاه اليمن
تتحدد السياسة السعودية تجاه اليمن باعتبارها العمق الاستراتيجي للمملكة، وجزءاً من الأمن القومي السعودي انطلاقاً من رؤية الضم والإلحاق، والمجال الحيوي لها أي مجال النفوذ الاستراتيجي، وتقود الرؤية الاستراتيجية السعودية لليمن إلى تحديد أسباب التدخل السعودي في أزمة اليمن الحالية، وهنا، تقدم الدراسة من وجهة نظر الباحثة تحليلا جغرافيا سياسيا لتلك الأسباب.
أسباب سياسية:
تفترض الباحثة بناءً على وجهة النظر السعودية أن تدخلها العدواني العسكري في اليمن كان ضرورياً لأن اليمن “خاصرة رخوة” للسعودية، ولأن لإيران أطماعا في منفذ باب المندب اليمني، الذي يؤثر بدوره على أمن السعودية ودول الخليج من وجهة نظر الباحثة والتصورات السعودية العدوانية.
أسباب اقتصادية وأمنية:
يأخذ البحر الأحمر موقعاً مركزياً من وجهة نظر الباحثة في الدوافع الاقتصادية للتدخل العسكري السعودي في اليمن، أو للاستراتيجية الجيوسياسية السعودية في اليمن، فالمملكة بحسب وجهة نظر الباحثة تخاف على اقتصادها، من سيطرة قوى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر على الجغرافيا اليمنية، أي تخشى من سيادة اليمن على أراضيها، فالمملكة تتوهم أن سيطرة قوى الثورة على البحر الأحمر تهدد اقتصاد السعودية لكونها تصدر أكثر من نصف نفطها عبر البحر الأحمر، وافتراض آخر أن سيطرة القوى الثورية على البحر الأحمر معناه أنه بات لإيران حضور فيه، وهي ادعاءات ترفضها القيادة الثورية والسياسية اليمنية التي تؤكد على مساعيها نحو فرض سيادة وطنية كاملة غير منتقصة من أي دولة.
ترى الباحثة أن الرؤية الاستراتيجية السعودية السالف ذكرها، هي التي قادت السعودية إلى إنشاء تحالف، وإعلان الحرب على اليمن التي وصفتها بأنها “ضرورة” خاصة بعد استنفاد كافة المبادرات الدبلوماسية، وعليه وضعت المملكة العربية السعودية هذه العملية تحت مظلة استعادة “الشرعية” الدستورية لحكومة “الرئيس” عبد ربه منصور هادي، وتقدم الباحثة هنا مغالطة خطيرة، إذ تغفل حقيقة أن التدخل العسكري في 26 مارس 2015م أحبط اتفاقا تاريخيا كانت قد توصلت إليه الأطراف اليمنية برعاية أممية، كما أكد المبعوث الأممي إلى اليمن السيد جمال بن عمر.
الاستراتيجية السعودية في اليمن
قادت الرؤية الاستراتيجية السعودية لليمن إلى اعتماد عدة استراتيجيات، هي الاستراتيجية السياسية والدبلوماسية: وتقصد بها الإجراءات السعودية السياسية والدبلوماسية مدللة على “المبادرة الخليجية”، التي تم التوقيع عليها في العاصمة السعودية الرياض، في نوفمبر 2011، برعاية سعودية وأممية بغية ترتيب أوضاع نقل السلطة في اليمن، وهذه الاستراتيجية حقيقة، لكنها ليست بتلك الإيجابية التي تقدمها الباحثة العراقية فخلف هذه الإجراءات السياسية تقف سياسة تدخلية سعودية في صياغة التطور السياسي في اليمن بما يبقي على البلد في حظيرة الهيمنة السعودية، وهو ما أقرته الباحثة في موضع سابق، حين قالت بأن السعودية من بعد اتفاق 1970 باتت هي الطرف الذي يحدد النظام السياسي في اليمن وأبرز اللاعبين فيه.
(أ) الاستراتيجية الإعلامية:
يلعب الإعلام السعودي الذي اضطلعت به المملكة دوراً كبيراً منذ بداية الأزمة اليمنية في فبراير 2011، واستمر مع مختلف مراحلها وتطورها ويعد من أبرز الأدوات الناعمة للمملكة في اليمن، وهو الدور الذي بدأت معالمه تتضح بجلاء مع بداية اندلاع الثورة اليمنية، بيد أن الدور الإعلامي -كأداة سعودية في الأزمة اليمنية الحالية- ظل حاضراً عبر مختلف مراحل تطورها، ولعل ما تقوم به القنوات والصحف السعودية -من دور صريح في بث أخبار المعارك في اليمن وتمجيد الدور الخليجي هناك- يعتبر مؤشراً واضحاً وصريحاً بما باتت تؤديه الأداة الإعلامية من دور بالغ الأهمية كأداة من أدوات التدخل السعودي الناعم في اليمن.
(ب) الاستراتيجية الاقتصادية:
إن التصور السعودي الذي كان قائماً منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي ينظر إلى اليمن على اعتبارها “الحديقة الخلفية” للمملكة السعودية، وهو الأمر الذي دفع المملكة خلال الخمسة عقود الماضية إلى بسط نفوذها وترسيخ تموضعها في اليمن عبر استقطاب مراكز القوى اليمنية إلى صفها، الأمر الذي كانت أداته متمثلة في الدعم الذي كانت تقدمه المملكة إلى حوالي 1200 شخصية يمنية من مشايخ القبيلة وأصحاب النفوذ وكبار المسؤولين (بحسب تقدير الباحثة فيما الرقم الفعلي يتجاوز عشرات الآلاف)، وهو ما كان يحدث عبر “اللجنة الخاصة” المتعلقة بتقديم الدعم السعودي إلى شخصيات يمنية، وتبرز الدوافع السعودية الكامنة وراء تقديم هذا الدعم إلى دولة اليمن في ما كانت تحرص عليه المملكة السعودية من كسب ود القبائل اليمنية وكبار المسؤولين على النحو الذي يخدم تطلعاتها (التوسعية) هناك، بالإضافة إلى ما يقدمه المسؤولون والقبائل المتلقية للدعم السعودي عند الحاجة إليهم كورقة ضغط على السلطات اليمنية في أي منعطف قد يطرأ على العلاقة الثنائية بين البلدين، وكان يرأس هذه اللجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز.
الجدير بالذكر هنا أن نسبة الصادرات السعودية إلى اليمن أعلى من الواردات، ما يعني أن اليمن سوق استهلاكي للمنتجات السعودية، وفي إطار ذات الاستراتيجية أطلقت السعودية مشاريع تنموية وإغاثية في اليمن في مختلف القطاعات، يمكن أن نطلق عليها استراتيجيات فرعية (وهي آليات للهيمنة في جوهرها أكثر من كونها أشكالا للدعم والتأثير الإيجابي) منها:
آلية الدعم في مجال التعليم:
وخصوصاً تعليم المرأة، وكذلك التعليم الجامعي وتقديم برامج المنح الدراسية لليمنيين في الجامعات السعودية بكل المجالات التعليمية، وعلى مستوى جميع المراحل الدراسية البكالوريوس والماجستير والدكتوراه (وعبر التعاون العلمي يتم غالباً تصدير الثقافة الوهابية إلى اليمن، ومثل هذا الدعم المحدود يهدف إلى تحسين صورتها لا أكثر، بخلاف الدعم السخي والنزيه التي كانت تقدمه الكويت لليمن سابقاً).
آلية الدعم في مجال الصحة:
من خلال تمويل المخيمات الطبية والبرامج الخيرية وجراحات القلب ومكافحة العمى، وتقديم العديد من الخدمات العلاجية لمختلف الأمراض (ومن الملاحظ أنها لا تشيد مستشفيات لتقوية قطاع الدولة الصحي باستثناء مستشفيين في صعدة وحجة، وبقية مساعداتها آنية ومتعلقة بمعالجة حالات مرضية).
آلية الدعم المالي والنفطي:
اعتمدت السعودية على دعم الحكومات بمعونات نفطية، في مختلف المراحل، وبحسب الباحثة فاستراتيجية الدعم الاقتصادي السعودي المقدم لليمن -بحسب المعارضين لسياسة السعودية في اليمن- تخفي أهدافا اقتصادية في الثروة النفطية اليمنية، فمنطقة حضرموت غنية بالثروة النفطية. ومن هذه الأهداف رغبة السعودية في الاستثمار في المجال النفطي اليمني، علاوة على تطلع السعودية إلى مد خط أنابيب انطلاقاً من “رأس تنورة” حتى ميناء المكلا، وهذا الميناء المنفتح على خليج عدن والمحيط الهندي، يجعلها في غنى عن “مضيق هرمز”.
(ج) الاستراتيجية العسكرية:
سبقت الإشارة إلى أن خيار الحرب أو التدخل العسكري في اليمن يأتي أخيراً بعد استنفاد المبادرات الدبلوماسية، (وهي وسائل سياسية ودبلوماسية سلمية من حيث الشكل لكنها من حيث المضمون تستهدف الإخضاع أي أنها في نهاية المطاف تستهدف تحقيق ذات النتائج التي تعمل على تحقيقها بالقوة العسكرية)، مع تولي الملك سلمان، قد غيرت من سياستها الإقليمية، وباتت تتصرف كلاعب إقليمي أساسي لا تستطيع واشنطن أن تتجاهله، بل تجد نفسها مضطرة لتغطية تحركاته، بواسطة تشكيل تحالف عربي إسلامي يمتد بشكل أو بآخر من باكستان إلى المغرب ومن تركيا إلى السودان مروراً بمصر وقطر، فيقلص هامش التحرك الإيراني وخيارات الرد على العملية السعودية (إلا أن هذا التحالف في نهاية المطاف تلاشى واستمر التحالف العدواني الفاعل وهي دول الرباعية: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة البريطانية، المملكة السعودية، الإمارات المتحدة).
ومن ضمن المبررات التي تقدمها الباحثة العراقية للتدخل العسكري العدواني، هو ما تعيد نقله عن السعودية، وهي الهواجس المتعلقة، بالمسألة الإيرانية، ومزاعم تغلغل إيران في اليمن وباب المندب أي في جنوب الجزيرة العربية، كمنطقة جيوسياسية مهمة للمملكة.
أهداف التدخل السعودي:
لعل من نافلة القول، أن لكل دولة قوية مجالاتها الحيوية التي تحاول الوصول إليها، ولعل من ناقلة القول أيضاً القول إن اليمن هي إحدى مناطق المجال الحيوي السعودي، بناءً على ذلك تفترض الباحثة أن هذا المجال الحيوي للسعودية (أي الجمهورية اليمنية)، باتت تمثل تهديداً للسعودية نتيجة عدم وجود استقرار داخلي في اليمن ووجود نزاعات، تأسيساً على ما تقدم، تقدم الدراسة هنا، تحليلاً جغرافياً -سياسياً لـ”أهداف التدخل الجيوسياسي والجيوعسكري السعودي في جغرافيا اليمن”.
1. مواجهة الدور الإيراني في اليمن:
وهو ادعاء سعودي يضخمه المرتزقة والأمريكيون لامتصاص مدخراتها إذ تفترض المملكة أن اليمن باتت مستعمرة إيرانية وهذا غير صحيح، أما الصحيح فهو أن المصالح اليمنية والإيرانية تتقاطع، وخصوصاً في مواجهة الحضور الاستعماري الغربي والصهيوني في منطقة البحر الأحمر.
2. محاولة الظهور بمظهر القوة الإقليمية القوية:
بحسب الباحثة فقد مثل التدخل العسكري في اليمن بالنسبة للسعودية خروجاً من دائرة الانتظار إلى دائرة الفعل من خلال العمل على إعادة بناء المشهد اليمني من ناحية، ومن جهة أخرى تريد أن تثبت أنها دوله باتت طرفاً فاعلاً في تحقيق أمنها الجيوسياسي، ومصالحها وحقوقها وأهدافها (التوسعية) في محيطها الإقليمي (الذي يتجاوز اليمن إلى الكويت وقطر وسلطنة عُمان).
تأسيساً على ما تقدم، تحاول السعودية الظهور بصورة القوة العربية الوحيدة في الشرق الأوسط، مبرزة ثلاثة عوامل ترى أنها كفيلة لتكريسها كقوة إقليمية صاعدة في المنطقة وهي: الموارد النفطية وهذا يعني إمكانية التأثير، ولو نسبياً، في استراتيجيات القوى التي تعتمد على النفط السعودي، والموارد المالية الضخمة التي تمكنها من استعمال دبلوماسية الشبكات سواء لتقديم المساعدات لدول أخرى، أم للانحياز إلى المواقف السعودية، وإدارة أهم الأماكن المقدسة في العالم الإسلامي.
3. تأمين مجال حيوي اقتصادي سعودي في اليمن:
تحتل اليمن موقعاً مركزياً في الحسابات الاستراتيجية السعودية، وهي حسابات استعمارية توسعية، ويستمد اليمن بممراته المائية وانفتاحه على المحيط الهندي الذي يعد مسلكاً مهماً لتصدير النفط السعودي، ويتصل اليمن بالمحاور والعقد التجارية وعقد النقل فضلاً عن مجاورته للقرن الإفريقي وأقاليم جيواقتصادية فهو يطل على باب المندب الذي يعد طريق تجارة عالمية ويصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.
تخشى السعودية من أي تطورات في مضيق هرمز الإيراني، ولتجاوز هذه العقدة فالمملكة تريد أن تسيطر على الجغرافية اليمنية، أي أنها تريد حل مشاكلها الجغرافية بالتوسع إلى الجغرافية اليمنية.
فللمملكة طموح في الحصول على متنفس على بحر العرب والمحيط الهندي لتصدير منتجاتها النفطية إلى الصين وآسيا شرقاً علاوة على ذلك فإن السعودية تحاول تمرير خط أنابيب نقل للنفط السعودي عبر الأراضي اليمنية من ميناء رأس تنورة إلى ميناءي عدن والمكلا على البحر العربي، وهذا المشروع برأي السعودية يعد أحد أهم البدائل ذات الجدوى الاقتصادية إذا ما حاولت إيران إغلاق مضيق هرمز في حال حدوث صراع عسكري بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن هناك قلقا سعوديا من احتمال اكتشافات نفطية مستقبلة في صحراء الجوف المجاورة للسعودية بخاصة وأنها تنقل صراعات دول إلى الحدود مع السعودية.
المملكة النازية!
نستخلص مما سبق أن المملكة السعودية كدولة توسعية، تتبع النهج النازي الهتلري في تفسير المجال الحيوي (ليبنسراوم)، أي تجاوز تبادل المنافع في الدوائر الجيوسياسية وضمان الأمن والمصالح على أساس التكامل الجغرافي، إلى الطمع بالمميزات الجغرافية اليمنية بالتوسع والهيمنة وضرب قدرات الدولة والشعب اليمني واستعباده وهذه هي سياسة السعودية، القريبة من السياسة النازية الهتلرية، فقد هدفت السياسة النازية إلى أن لألمانيا أن تطلب مجالاً حيوياً ضرورياً لبقائها وأن معظم السكان الأصليين في أوروبا الوسطى والشرقية يجب أن يتم إبعادهم نهائياً؛ إما من خلال الترحيل الجماعي إلى سيبيريا أو الإبادة أو الاستعباد.
* نقلا عن : لا ميديا