لا أُنكر أني ومعي الكثيرون كُنا متحمسين لثورة الشباب ونزلنا إلى ساحة الاعتصام في الجامعة، نظراً للأوضاع المتردية جداً ومع الأيام كانت تزداد سوءاً، لكن سرعان ما داهمني الفتور نتيجة موقف عرضي، فقد أخذني أحد الأصدقاء وهو من حزب الإصلاح إلى جلسة مقيل فوجئت بوجود السفير الأمريكي “فرستاين” في نفس الجلسة وبلا مقدمات بدا الرجل غاضباً يتحدث مع المسؤولين الحاضرين وهم من عدة أحزاب بتعال وغطرسة ويقول ” بدأت الثورة الشبابية تأخذ منحى آخر”، استغربت جداً وقلت ما دخل الرجل بهذا الشأن اليمني، وكانت المصيبة أكبر عندما قال “لماذا تسمحون لذلك المأفون بإلقاء خطبة الجمعة في الساحة؟” ويقصد به الدكتور الفاضل طه المتوكل وزير الصحة الحالي، استغربت جداً وهممت بالحديث إلا أن صاحبي أمسك بيدي وأجبرني على الصمت، وقد التزمت نزولاً عند رغبته وعلى قاعدة (الضيف في حكم المضيف)، وعندما خرجنا من المقيل سألت صاحبي لماذا كل هذا الخنوع؟! ولماذا تسمحون لمثل هذا الرجل بأن يتدخل في شؤوننا الداخلية؟! أطلق ابتسامة ماكرة وأجاب: أنت مغفل ألا تدري أن كل ما يجري في الساحة يتم بمشورة أمريكية وبضغط من السفير نفسه، فهو الذي يحفظ التوازن ويمنع عدم الانفجار.
منذ تلك اللحظة بدأت أتخلص من ربقة الاعتقاد بأن هناك ثورة وأيقنت أن كل ما يجري يتم تحت مرئ ومسمع قوات المارينز الأمريكية المتمركزة في فندق شيراتون، ولم تمض سوى أيام حتى عرفنا بأن أحد الشباب تم إيداعه سجن الأمن السياسي، لا لشيء إلا لأنه قام بمحو شعار المارينز من أحد البراميل الموجودة أمام فندق شيراتون وقد تعرض للإهانة والضرب المبرح على فعله هذا، مع أنه كان المفروض أن يُكرم، لكنه قدم روحه في ما بعد في سبيل الله ودفاعاً عن قضية اليمن التي تعرض بسببها للضرب والامتهان والتعسف وسقط شهيداً في ساحات الكرامة.
من هذه الواقعة التي أسلفت تتضح عظمة الاحتفاء بيوم انكسار المارينز، فهو المنجز الوحيد الذي يُمكن أن نتباهى به مقابل الغوغاء وحالات الارتهان التي نستمع إليها في قنوات الدفع المسبق وهم يحتفلون بما يُسمى بثورة 11فبراير، أين الثورة مما أسلفت؟! وما هو عنوانها المرتبط باليمن؟! وأي ثورة هذه التي تسمح للآخر بأن يتحكم في شؤون البلاد والعباد؟! أسئلة لا شك أنها مشروعة وتكشف عن فداحة الواقع الذي فرض انبثاق فجر ثورة 21 سبتمبر2015م، فكان الإنجاز الأول والأهم بعد هذه الثورة أن شاهدنا قوات المارينز تفر مذعورة وتخرج من الجحور مثل الفئران طالبة الأمان، ومع أن أحد أفراد هذه القوات لم يتعرض للمضايقة والأذى إلا أنهم تركوا الحبل على الغارب ورحلوا عن أرضنا الطاهرة، بعد أن دنسوها سنوات بأقدامهم الفاجرة.
هذا هو المنجز العظيم الذي يجب أن نتباهى ونحتفل به لا تلك الترهات التي يتحدثون عنها ويعتبرونها إنجازات، فكيف تتحدث عن إنجاز وأنت تحت الوصاية بل والاحتلال المباشر من قبل قوات المارينز الأمريكية؟! يا لها من ثورة ويا له من انتصار !! لو كنت في مكان السيدة توكل كرمان لألقيت بنفسي من أعلى عمارة في إسطنبول، لا أن أظل أتحدث عن إنجازات وهمية لا وجود لها إلا في ذهن توكل وشلتها، وهنا لا نستغرب أن نسمع أن 500 ألف غارة شنها الطيران السعودي الغادر على اليمن الأرض والإنسان تُعتبر منجزا من منجزات ثورة 11 فبراير.
هنا لا يسعنا إلا أن نردد ما تردده النساء في بلادنا “ليت العقول تشترى بغالي الثمنا”، وهي حقيقة مُرة أن يتنكر البشر للحقائق الثابتة ويعتبرون الغازي ابن الوطن وابن الوطن محتل، قمة المهزلة أن تصل الأمور إلى هذا الحد من السفالة والانحطاط الأخلاقي والقيمي، ومن لا يُصدق هذا الكلام عليه أن يتابع قنوات ( بلقيس – يمن شباب – سهيل )، وصان الله السامعين لقد لفظت بأسماء هذه القنوات وأنا أتأفف من الروائح النتنة التي تنبعث منها لكن الموقف تطلب ذلك، لكي يعرف القارئ حالة السقوط التي وصل إليها هؤلاء الناس وهم يتشدقون بالوطن والثورة والجمهورية، ويعتبرون أنفسهم حماة لهذه المكاسب العظيمة، لا أدري ممن سيحمونها وهم يرزحون تحت وطأة وغطرسة النظام السعودي أو في قطر أو في الإمارات أو في تركيا أو في مصر، وكلها مواقع ينفثون من خلالها السموم في محاولة لتعكير الأجواء والاصطياد في المياه النقية، أرجو الله أن يعيد لهؤلاء الناس عقولهم وأن يعرفوا معنى الوطن والوطنية وسلوك المواطنة الصحيح، وهنيئاً لشعبنا الخلاص من قوات المارينز، وإن شاء الله نتخلص من بقية هذه القوات الموجودة في المحافظات الجنوبية والشرقية ومعها القوات البريطانية والإماراتية والسعودية وكل غاز يُدنس بأقدامه أرض هذا الوطن الغالي، والله من وراء القصد .