أحدث الإعلان السعودي عن إنتاج مسلسل معاوية بن أبي سفيان بن حرب، ضجة كبيرة بالذات في وسائل التواصل الاجتماعي ، فانقسم الناس بين مؤيد للفكرة وهم قلة، ومعارض وهم الأغلب ، من حيث المبدأ لا يمكن لأحد منا أن يعترض على فعل كهذا من قبل النظام السعودي ، فالنظام نفسه جاء امتداداً لنفس النهج ويسير على خطاه القذة بالقذة ، حتى أسوأ ما ثبت على معاوية من ابتداع وهي الشعرة التي أصبحت تردد في كل مواقع يتم الحديث فيها عن السياسة وفن الممكن والخداع والكذب.
إذاً النظام السعودي لا يختلف من قريب ولا من بعيد عن النهج الأموي إلا أنه ازداد سوءاً بتقليد أمريكا وأوروبا في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك موالاة اليهود والعمل معهم على تثبيت دعائم الكيان الصهيوني، كما جاء على لسان مؤسس هذا النظام عبد العزيز آل سعود حينما قال ( وليس لدينا مانع من إعطاء فلسطين لليهود المساكين )، تخيلوا اليهود مساكين والعرب الفلسطينيين أبناء جلدته ما هم في نظره ؟! كان المفروض أن نسأل عن هذا التقييم عبد العزيز نفسه لكنه رحل عن الدنيا ، والمفروض أن يُجيب أبنائه وأحفاده على السؤال خاصة أنهم تمادوا أكثر في الانبطاح وأصبحوا يراعون الكيان الصهيوني أكثر ما يراعون أبناء نجد والحجاز ، إنها كارثة!!؟
أما من ناحية المسلسل فلا مانع أن يتم إنتاج مسلسلات من هذا النوع ، إلا أنه لابد أن يتوخى الكاتب والمنتج الدقة في نقل المعلومة والكشف عن الحقائق لا كما يريد كل شخص على هواه ، أما أن يتحول التاريخ الإسلامي إلى مطية ومدخل للسياسة وإدارة المعارك الكلامية بين الأطراف المتباينة، فهذا شيء مريب ولا يشرف أحد ، وأعتقد أن مسلسل معاوية يصُب في هذا الاتجاه ، أي أن الهدف إثارة الفتنة وتوسيع بؤر الصراع بين المسلمين ، وهو فعل مُهين ومُريب للأسف يتم تمويله من مال إسلامي، كما قيل لأن التكاليف بلغت مائة مليون دولار ، هذه المائة مليون كان من الممكن أن تُطعم آلاف المسلمين وتوفر لهم الكساء والغذاء ومحتاجات الحياة الأساسية ، لكن آل سعود لا يهمهم طالما أن المال متوفر والخزينة مُتخمة بأموال النفط ، فمن السهل عليهم إنفاق المليارات ، كيف لا وقد أعطوا ترامب الرئيس الأمريكي السابق مئات المليارات من الدولارات لضمان الظفر برضاه ، إذاً هذا المبلغ لا يساوي شيئاً مقابل ما يُنفق من آتاوات للغرب وفي المقدمة أمريكا ، إما على شكل شراء أسلحة أو بدعوى الاستثمار في نفس الدول ، لا أدري لماذا يمعن الخليجيون في الإكثار من اقتناء السلاح بالذات السعوديين؟
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: ما هي المعركة المشرفة التي دخلتها السعودية وكانت تصب في صالح الإسلام والمسلمين ؟! بل على العكس السلاح السعودي يوجه دائماً إلى صدور المسلمين ويسعى إلى تخريب الدول الإسلامية من داخلها ولو على حساب الإسلام وتبني الجماعات الإرهابية ، واليوم ها هو نفس النظام يحاول تأصيل نهج معاوية في الواقع ويُحيل هذا النهج إلى نظام متبع بعد أن ظل على مدى مائة عام يسير على خطاه ويترجمه عملياً في الواقع ويحاول نقله إلى بقية الدول الإسلامية- كما قُلنا- بشتى الوسائل ، آخرها التأصيل المرئي والمسموع من خلال تزييف التاريخ وإعطاء معاوية بن أبي سفيان صفات حاشى أن تكون فيه ، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( والله ما معاوية بأدهى مني إلا أنه يكذب ويخدع ويغش وحاشى لله أن أنقاد إلى نفس المستوى من السقوط)، كرم الله وجهك يا أمير المؤمنين فلقد كنت بالفعل ترجمان القرآن وسيف الإسلام الذي حمى البيضة ودافع عن الدين وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أما الآخر فلم يكن سوى معول هدم وهذا المعول توارثه عن أبيه الذي ظل يطعن في الإسلام إلى آخر لحظة في حياته، مع أنه أعلن الإسلام ظاهرياً ، لكنه وجد الفرصة المناسبة للتآمر على الإٍسلام من داخله وهذا ما لم ينطل على إمام المتقين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حينما جاءه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال إنها حقك يا علي- يقصد الخلافة- والله لأملأنها عليهم خيلاً ورجالاً ، فألتفت إليه أمير المؤمنين وقال أغرب عن وجهي وخاطب عمه العباس قائلاً : لا تنخدع بكلامه يا عمي ، والله إنما يُريد إثارة الفتنة ، وهاهم أحفاده اليوم يُثيرون الفتنة عبر هذه المسلسلات المشؤومة التي تحاول تعميق الضغائن والأحقاد في النفوس ، لا لشيء إلا لترضي الأمريكان والأوروبيين بالذات التاج البريطاني ، الذي له باع طويل في التآمر على الإسلام والمسلمين منذ أن انكسرت رايته وتم إخراجه بالقوة من الأرض العربية والإسلامية .
في الأخير نقول للسعودية وقطر والإمارات- التي تحاول أن تزيف التاريخ الإسلامي- ما قاله الشاعر :
ومطعمة الأطفال من كد فرجها لكي الويل لا تزني ولا تتصدقي
دعوا الإسلام وشأنه يكفى كل موجات القدح فيه وتشويه معانيه السامية، أخيراً لا نُريد أن نستبق الأحداث وإن كنت شخصياً أتوقع أن مسلسل معاوية لن يكون إلا إضافة إلى تلك المسلسلات الهابطة التي شوهت الإسلام وتاريخه العظيم ، وأتمنى أن يكون هذا الاعتقاد في غير محله ، وسيشاهدها كل مسلم وعربي عند عرض المسلسل في رمضان القادم إن شاء الله ، لكني أردت أن أنبه المشاهدين بأن يحذروا من مشاهدة الأطفال لمثل هذه المسلسلات الهابطة كي لا يشوه الفكر الإسلامي وتمتلئ العقول بمعلومات زائفة يقصد بها زيادة التآمر على الإسلام والمسلمين ، والله من وراء القصد ..