مع عودة الرئيس الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى الحكومة مجدداً، برز الحديث بشكل أكبر عن مساعي التطبيع مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً وأن اتفاقيات “ابراهام” السابقة قادها نتنياهو، الذي وضع نصب سياسته الخارجية التطبيع مع المملكة العربية السعودية.
خلال كانون الثاني/ يناير الماضي كانت مسألة التطبيع السعودي مثار حديث مراكز الأبحاث والصحف الصهيونية، مثل صحيفة “ذا جوزليم”، و”المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي” (JINSA)، و”المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الاقليمية”، و”مركز القدس للشؤون العامة”.
تتفق هذه المراكز على أن التطبيع مع السعودية ممكن، نظراً لحقيقة كون التطبيع مع الإمارات والبحرين تم بضوء أخضر سعودي، إلى جانب سماح السعودية بمرور الطيران “الإسرائيلي” في أجوائها، ووجود المئات من رجال الأعمال اليهود في السعودية لهم صلات أمنية مع الرياض. لكن التطبيع المباشر يتطلب بالضرورة دعما من الولايات المتحدة الأمريكية، مع ثقة بتوجه ابن سلمان التطبيعي.
دخل شباط/ فبراير الجاري ولايزال الخطاب السياسي الإعلامي عن التطبيع مع السعودي في أوجه.
في 3 شباط/ فبراير الجاري، نقل الإعلام الصهيوني عن وزير خارجية الاحتلال “الإسرائيلي”، إيلي كوهين، تقديره أنّه سيتم، خلال العام الحالي، “توقيع اتفاق تطبيع جديد مع دولة على الأقل، وربما مع دولتين إضافيتين”، مشيراً إلى السودان والسعودية، مؤكداً أن “السعودية تدرك، بصورة واضحة، أنّ إسرائيل ليست عدوة، بل هي شريكة لها، والاتفاق يكون في مصلحة الجانبين”، وأنّ “السعودية تدرك أنّ لديها مصلحتين، أمنية واقتصادية، من أجل التقدّم في اتجاه اتفاق تطبيع مع إسرائيل”. وكان قد التقى وزير الخارجية الصهيوني برئيس المجلس العسكري الانقلابي الحاكم في السودان عبد الفتاح البرهان.
في ذات يوم لقاء السودان، وصل نتنياهو إلى فرنسا، وكان من ضمن ما ناقشه مع نظيره الفرنسي الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات “الإسرائيلية” مع المملكة السعودية، ومفهوم تعزيز العلاقات يشير إلى وجود علاقات يتطلب تعزيزها.
كان نتنياهو قد صرح في 3 شباط/ فبراير الجاري لوسيلة إعلام أمريكية أنه إذا تم التطبيع مع السعودية، فسيعود إلى الفلسطينيين ويحقق السلام، حسب زعمه.
من مقارنة التصريحات السعودية والنشاط الصهيوني في السعودية، فإن مسألة التطبيع العلنية محتملة أكثر من أي وقت سابق، وهي تتعمق اقتصاديا وأمنياً، وتبقى أمام ابن سلمان مسألة شكلية، وهي وجود والده على قيد الحياة، إذ لا يزال بحكم شخصيته التقليدية يحتفظ بوجهة نظر أن التطبيع سيكون لاحقاً لتسوية القضية الفلسطينية.
كما يلعب الملف النووي الإيراني في حالة لم يتم التوصل إلى حل، وكذلك توجهات الولايات المتحدة إلى الانحسار نسبياً، يلعب دوراً معززاً للتطبيع الصهيوني السعودي انطلاقا من الأولوية الأمنية.
منذ مطلع العام الجديد تزايدت الأحاديث في الصحافة الصهيونية، وكذلك مراكز الدراسات ومعاهد البحوث، عن احتمالات التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني. بداية من صحيفة “ذا جوزليم بوست” التي نشرت موضوعاً بعنوان: “يمكن لإسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية - بمساعدة بايدن” في 4 كانون الثاني/ يناير 2023.
افترضت الصحيفة أن “السلام الإسرائيلي السعودي” ممكن؛ لكن لا يمكن تحقيقه دون مساعدة كبيرة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتحسين العلاقات الأمريكية السعودية. وأشارت إلى أن نتنياهو حدد مسألة التطبيع مع المملكة العربية السعودية من بين أهم أولويات سياسته الخارجية.
كاتب المقالة، راندي واكس، باحث في “المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي”، وكان مستشاراً لنائب الرئيس ديك تشيني لشؤون الأمن القومي. وكان الباحث قد زار السعودية وقضى فيها أسبوعين، برفقة “المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي” (JINSA)، وعاد من الزيارة مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بأن مثل هذا الاتفاق ممكن بالفعل، حد قوله.
جاء على لسان الكاتب أن قادة سعوديين، تحفظ عن ذكر أسمائهم، كان كلامهم محفزاً. ونقل التصريح على لسانهم كما يلي: “من المنطقي بالنسبة لنا أن نطبع مع إسرائيل. نحن نتشارك نفس التهديدات والأعداء والحلفاء. لكن الأمر سيكون صعبا؛ لأننا ملأنا رؤوس شعبنا بكراهية إسرائيل لمدة 50 عاماً. لا يزال لدينا متطرفون؛ سيهاجموننا. الإيرانيون سيثيرون عدم الاستقرار. اقتصادنا يمكن أن يعاني. إن مكانتنا كزعيم للعالم الإسلامي يمكن أن تعاني. المخاطر حقيقية نحن مستعدون لأخذها؛ لكننا بحاجة إلى عدة أشياء من الولايات المتحدة أولا لمساعدتنا على موازنة المخاطر”.
ويرى الكاتب أنه بالنظر إلى المخاطر الجيوسياسية الضخمة التي تثيرها عملية التطبيع التي تدور في أذهان السعوديين، فسيكون على الولايات المتحدة أن تساعد في ذلك.
ويحفز الكاتب الولايات المتحدة بالقول إن صنع “السلام” مع أثرى دولة في العالم العربي والإسلامي وأكثرها نفوذاً سيكون نعمة هائلة لـ”إسرائيل”، الحليف الإقليمي الأكثر أهمية لأميركا، وسيشكل أيضاً انتصاراً كبيراً للدبلوماسية الأميركية، على قدم المساواة، من حيث الأهمية، مع معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل” في 1979.
بعدها بأربعة أيام نشر “المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية”، في 8 كانون الثاني/ يناير 2023، موضوع “تقدير موقف”، بعنوان: “هل يمكن التوصل إلى اتفاق إسرائيلي سعودي رسمي؟”.
انطلقت المادة من حقيقة تخصيص نتنياهو جزءاً كبيراً من المقابلة التي أجراها في 15 كانون الأول/ ديسمبر مع قناة “العربية”، لشرح أن مسار عمله الرئيسي سيكون الترويج لتحرك على غرار “اتفاقيات إبراهام” مع المملكة السعودية.
يؤكد الكاتب أن الطريق هذا واقعي، باعتبار أن “اتفاقيات إبراهام” تمت بضوء أخضر سعودي، إضافة إلى خطوات أخرى من جانب المملكة السعودية، منها إعطاء الإذن للطائرات “الإسرائيلية” لعبور أجوائها.
وأشار الباحث الضابط المتقاعد في الجيش الصهيوني مايكل هراري، إلى أن استطلاعاً للرأي العام أجري في المملكة السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ونشره معهد واشنطن الشهر الماضي (كانون الأول/ ديسمبر 2022)، أظهر بعض النتائج المثيرة للاهتمام. النتائج المتعلقة بـ”إسرائيل”. 43٪ من المستطلعين يؤيدون استمرار التواصل مع “إسرائيل”. من ناحية أخرى، يعتقد 21٪ فقط من المستطلعين أن “اتفاقيات إبراهام” كان لها تأثير إيجابي.
نتنياهو أكد في المقابلة مع قناة “العربية” أنه سيعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية مع حلفائها في المنطقة. كما ألمح إلى أنه سيأخذ على عاتقه، بطريقة أو بأخرى، العمل مع البيت الأبيض بشأن العلاقات مع المملكة السعودية.
في 23 كانون الثاني/ يناير 2023 نشر “مركز القدس للشؤون العامة” موضوعا بعنوان: “ما هي آفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟”.
يُذكر الموضوع بلقاء نتنياهو مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن (في 19 كانون الثني/ يناير)، والذي ناقش معه “انفراجا فيما يتعلق بالمملكة السعودية”، وأن اتفاق التطبيع مع السعودية قد يكون مجرد مسألة وقت.
تركز الموضوع حول ما إذا كان من الممكن تحقيق اتفاق التطبيع في المدى القريب في ظل العلاقات التي لا تزال سلبية بين الرئيس بايدن وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. وبحسب الكاتب يوني بن مناحيم، فإعلان السعودية في “دافوس” في 17 كانون الثاني/ يناير 2023، أن المملكة تدرس التداول بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، قد يزعج الولايات المتحدة، وبالتالي يؤثر سلباً على مسار التطبيع المحتمل.
يؤكد الكاتب أن “إسرائيل” في وضع يمكنها من أن تكون جسرا بين إدارة بايدن والسعودية، وأنه يوجد عدة مئات من رجال الأعمال “الإسرائيليين” في الرياض، ويعتقد أن اتصالات أمنية واستخباراتية تحدث بينهم وبين مسؤولين سعوديين.
اتفاقية التطبيع مع السعودية من منظور الكاتب ستساعد في إقامة تحالف “إسرائيلي” عربي أمريكي ضد إيران، وقد تؤثر إيجاباً على علاقات “إسرائيل” مع الفلسطينيين، وستدفع الفلسطينيين إلى فهم أن العالم العربي يريد السلام مع “إسرائيل”، وأن دورهم قد حان.
يثق المركز البحثي الصهيوني في براغماتية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر أقوى رجل في السعودية وأثبت أن لديه رؤية سياسية وقدرة على دفع المملكة نحو التقدم، حسب رؤيتهم.
ويوصي الكاتب بأنه فيما يستمر الانقسام الفلسطيني يجب استثمار الطاقة السياسية لإحراز تقدم في علاقات “إسرائيل” مع الدول العربية، والتركيز على العلاقات مع المملكة السعودية.
* نقلا عن : لا ميديا