كلما شاهدت صورة لشهارة أستحضر روائح أحجارها. للحجارة رائحة، وللماء رائحة، حتى وإن قال مدرس العلوم غير ذلك.
لا أشعر في أزقتها برهاب الأماكن الضيقة، بقدر ما أتمنى أن ألتحم بجدرانها، وأرتدي أحجارها، لأصبح كأولئك العمالقة الحجريين في فيلم “نوح”. فلا يليق بهذه المدينة سوى الأساطير.
“شهارة”! خمسة أحرف مكتظة بدهشة غير منطوقة وغير مكتوبة!
أربعون عاماً عشتها في صنعاء؛ لكنني مازلت مسكوناً برائحة النورة، وأصوات الأبواب، وصفير النوافذ حين تعبر منها الريح!...
وكلما وضعت رأسي على المخدة يحملني حنيني إلى شهارة، حيث سُرَّتي مدفونة هناك، وحيث ذكرياتي تنمو كشجرة في حيودها، وحيث الأحجار تحتفظ بي في ذاكرتها كما تحتفظ بتسابيح آبائي وأجدادي الذين كانوا يستيقظون قبل الفجر فيتحول بيتنا إلى معراج، وتكاد الجدران تلين لكثرة ما يتردد اسم الله بين أرجائها!
في شهارة كان أول أنفاسي ورؤيتي للضوء.
شهارة، المدينة التي نبتت في جبين الأزل، المدينة التي تشبه قارورة عطر مكسورة، فكل الأحجار لها رائحة تشبه عطر العيد، وكل النوافذ لها أريج يملأ ذاكرة الخشب!
حتى الدخان الذي يتصاعد من فتحات المطابخ كانت رائحته مليئة بالحمد والشكر!
تعرضت بعض ملامح شهارة لخراب ممنهج أيام المدّ الوهابي، وتم تدمير الكثير من الشواهد المنحوتة على القبور، بالقرب من الجامع الكبير، تلك البقعة التي تبدو كأنها مقبرة آثار!
شواهد منحوتة بعناية فائقة توحي بحضارة وإرث عظيم. ولا يهم إن كان هناك من يعترض على هذه الشواهد، المهم أننا أمام إرث يتداعى ويتساقط دون أن يوقف أحد هذا التساقط!
الأهم في الموضوع أن القطع المكسورة مازالت باقية في مكانها، منذ التسعينيات، ولو اختفت قطعة سيضيع كل شيء!
ربما أضطر لنشر تحقيق مصور -في هذه الصحيفة- لعرض العبث الذي يوحي بتواطؤ الصامت مع المخرب!
أناشد الجهات المعنية الالتفات إلى هذه الآثار المتناثرة حول الجامع الكبير، والعمل على تجميعها وتلصيقها وتثبيتها في أماكنها، فلن يكلف الأمر سوى شراء القليل من الغراء!
* نقلا عن : لا ميديا