استباقا لذكرى الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من أيار/مايو، انعقد على مدى الأيام الماضية في محافظة عدن ما سُمّي بـ ” اللقاء التشاوري الجنوبي”، في محاولة يائسة لتقوية فصيل الإمارات “المجلس الانتقالي” على حساب الفصائل الجنوبية الأخرى، لكن الحضور كان خجولاً، إذ كان المشاركون بمعظمهم، إما منضوين داخل “الانتقالي” أو غير معروفين، ولا ثقل لهم بالمعنى الوطني، لا سياسياً ولا عسكرياً، إذ لا يمكن اختزال القضية الجنوبية في قاعة لا تتجاوز 10*10 أمتار.
وبالرغم من ذلك، فقد صوّر المؤتمر على أنه تاريخي واستثنائي، وهو في حقيقة الأمر لا يعدو كونه “حوار طرشان”، وظاهرة إعلامية تمت مسرحتها وتسويقها على أنها مفصلية ونقطة تحوّل.
يهدف الانتقالي ومشغّلوه من وراء هذا المؤتمر إلى عدة أهداف أبرزها:
– ترميز رجل الإمارات الأول في المحافظات الجنوبية، عيدروس الزبيدي، وتصويره على أنه رجل سياسي محنك وصاحب الحل والعقد في المحافظات الجنوبية.
– تذويب كل المكونات الجنوبية تحت مجلس هلامي تابع للإمارات (المجلس الانتقالي)، قراره وتمويله مباشرة من أبو ظبي وينفذ أجندتها حرفياً، ولا يحمل أي روح وطنية تعلي المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة في من يوصفون جنوبياً بـ ” الطغمة”، و ” أصحاب المثلث”، وهذا الأمر بلا شك مرفوض جنوبياً قبل أن يكون مرفوضاً شمالياً.
– استباق أي تسوية سياسية في اليمن، بحيث يكون للإمارات وزن على طاولة المفاوضات من خلال أدواتها.
– إيجاد كيان سياسي وهمي تحفظ من خلاله أميركا والإمارات و”إسرائيل” وبريطانيا وفرنسا مصالحها الجيوسياسية والاستراتيجية في المحافظات الجنوبية والشرقية.
وهذه الأهداف تتضح من خلال الأجندة التي حملها المؤتمر، بعضها ظهر بشكل واضح وبعضها مستتر، أما الأجندة الظاهرة فقد تمثلت في سبع نقاط أبرزها ما سُمّي بـ ” الميثاق الوطني”، و”مستقبل دولة الجنوب العربي”، وهذه الشعارات تحمل بذور الانفجار والانفصال في آن معاً، وللتعمية على ذلك، طرحت فكرة “العملية السياسية”، و”الشراكة في الدولة والثروة” مع الحكومة التي شكّلتها السعودية حتى لا يقال إن هذا المؤتمر بمنزلة البيان رقم واحد للانفصال، والانقلاب على ما تراه السعودية “شرعية” هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قد تكون الإمارات وأميركا من وراء الانتقالي باتتا مقتنعتين بنظام فدرالي يضمن لهما بقاء نفوذهما في المناطق الاستراتيجية داخل المحافظات الجنوبية والشرقية الغنية بالثورات والمشاطئة لبحر العرب وخليج عدن، أما الانتقالي فهم مجرد وكلاء يفعلون ما يؤمرون، ولا يعصون الممثلين في شيء.
“الانتقالي” سفينة مثقوبة إماراتياً
ثمة تحد كبير أمام الرعاة الإقليميين والدوليين، وهو أن الانتقالي لا يحظى بتأييد كل المكونات والنخب في المحافظات الجنوبية والشرقية، إذ إنها لا ترى عيدروس أكثر من عميل لدى الإماراتي، ولا يتمتع بأي مقوّمات وطنية، كما أن هناك صراعات مستعصية جنوبية- جنوبية، بعضها من الوقت الحاضر وأخرى تاريخية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك خلاف تاريخي بين أبناء أبين والضالع، بين حضرموت وعدن، وهذا ما تبين مؤخراً لدى محاولة إعلان انفصال حضرموت التي يرى معظم أبنائها أنها كانت دولة مستقلة قبل أحداث 67، وأنه جرى ضمّها بالقوة إلى ما سمّي بـ”دولة الجنوب العربي”، كما أن هناك خلافاً بين “دثينة” التي تمثل أبين وبين ” المثلث ” الذي يمثل الضالع من فترة الثمانينيات بين من يوصفون بـ ” الإخوة الأعداء”. هذه التناقضات انعكست رفض كثير من المكونات الجنوبية دعوات الانتقالي إلى حضور “اللقاء التشاوري”، وأبرزها “مؤتمر حضرموت الجامع”، و”حلف قبائل حضرموت”، والمكوّنات والنخب الفاعلة والمؤثرة في محافظات أبين، ولحج، وشبوة والمهرة وحضرموت، بل إن المحافظتين الأخيرتين لا ترى أن لهما صلة بما يسمّى “دولة الجنوب العربي”.
وبعيداً من هذه المسمّيات التي لا نؤمن بها، هناك ثوابت وطنية أبرزها الوحدة، إذ إن غالبية أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية تؤمن بها وترى المساس بها خطاً أحمر وصاعق تفجير.
في مقابل هذه التحديات التي يدركها الأصيل والوكيل تماماً، يدعو “الانتقالي” إلى “معالجة آثار الصراعات الجنوبية-الجنوبية” وهذا كان واحداً من بنود الأجندة المطروحة، غير مدركين بأن الصراع بات بين الأجنبي المحتل وأدواته من جهة، والوطنيين في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه، من جهة أخرى.
موقف صنعاء
تعدّ صنعاء القضية الجنوبية “قضية وطنية، سياسية حقوقية أفرزتها حرب صيف 1994م”، التي أعقبت إعلان الوحدة الاندماجية بين شمال الوطن وجنوبه عام 1990م، وتخللها ظلم رسمي من تحالف 7/7 (النظام السابق) لأبناء الجنوب بتكفيرهم والسطو على أراضيهم ومصادرة حقوقهم وعزلهم من الوظيفة العامة، وترى بأن حل هذه القضية لن يكون إلا على طاولة جامعة لكل الأحزاب والمكونات الوطنية إذ لم تكن الحلول التي تمخض عنها مؤتمر الحوار الوطني عام 2013 مرضية لأبناء الجنوب، كما تعتقد أن المؤتمر الذي شهدته عدن مؤخراً هو بإيعاز إماراتي عبر أدواتها في سياق تصفية الحسابات مع السعودية، وهذا ما يمكن استخلاصه من تغريدة عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، مساء انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخميس 4 أيار/ مايو.
موقف الفعاليات والنخب الوحدوية
وفي المقلب الآخر، ترى الفعاليات والنخب الجنوبية المؤيدة للوحدة أن الكلمة الافتتاحية لرجل الإمارات، كانت ضعيفة ومهزوزة، ولا تشمل “أي خريطة طريق جديدة يمكن أن تكون الأساس لحل معاناة أبناء الجنوب ومستقبل القضية الجنوبية”، كما لم تتطرق إلى “مستقبل التحالف والاحتلال الإماراتي -السعودي في المحافظات الجنوبية، وسيناريو المرحلة القادمة، والتسوية السياسية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية”؛ بمعنى أنه ليس هناك أي قواسم مشتركة بين أبناء الجنوب الأحرار ومرتزقة الإمارات.
وتغلب النخب الجنوبية الوطنية أولوية تحرير المحافظات الجنوبية من المحتل على أي عناوين أخرى، كما ترى الأفضلية لحل القضية الجنوبية في الإطار الوطني اليمني الجامع بعيداً من التدخلات والتجاذبات الإقليمية والدولية، خصوصاً أن الدول الإقليمية لم تقدم لأبناء الجنوب شيئاً يذكر بقدر سباقها المحموم على صراع النفوذ والاستحواذ والهيمنة على المواقع الاستراتيجية ومنابع الثروة، فعن أي قضية يتحدث عيدروس الذي ظهر في كلمة الافتتاح (بعد نشيد الانفصال) مجرد شرطي إماراتي يتلو ما كتب له. ويبدو أن المخرجات قد كتبت سلفاً، ولن تختلف عن المدخلات.
ختاماً، ستظل كل أوهام الانفصال والتشظي والتقسيم والاحتلال والهيمنة أوهاماً وأحلاماً عابرة، أما “مسرحية الرابع من مايو” فلن تكون أكثر من عامل تفجير، وعلى أحرار الجنوب والشمال، أن يضعوا حداً لهذه المهزلة التاريخية قبل أن يكبر الخرق على الراتق، خصوصاً أنها تستهدف الوحدة اليمنية، وتسعى لتقسيم اليمن إلى دويلات يحكمها مرتزقة، وتكون السيادة والموانئ والجُزر فيها للإمارات، ومن يقف خلفها.