يُحكى أن مذيعةً عربية سألت رجلاً يمنياً عن أحلامه، فقال لها: أحلم ببيت، ومعاش، وكهرباء وماء وإنترنت، وأن يكمل أولادي تعليمهم. قالت له: سألتك عن أحلامك وليس عن حقوقك!
حين تعيش في جحيم الحرب بكل ظلمها وظلامها، وانعدام الكهرباء والغاز والبترول، يلتبس عليك الأمر بين الأحلام وبين الحقوق، فينخفض سقف أحلامك وطموحاتك إلى حد أنك تخرج من بيتك صباحاً وتكون أمنيتك الوحيدة أن تعود سالماً فقط.
تخرج وأنت تحلم بقطعة حطب أو كرتون ملقىً في الشارع لتعود به إلى زوجتك، وتضعه في التنور وأنت ترسم ابتسامة خجولة لتبادلك زوجتك ابتسامة رضا تطبطب بها على قلبك المتعب.
تضع الكرتون في التنور فتتذكر الورد الذي كنت تضعه في يدها، وتتذكر المرتب الذي كنت تخرجه من جيبك وتضعه في يدها بعد أن تطلب منها أن تغمض عينيها، وتفاجئها أيضاً بقطعة شوكولاتة، أو بطيخة، أو كيلو موز يزيّن المائدة ويغطي غياب اللحمة.
لم تعد تفكر في حقوقك، فقد تكيَّفت مع أحلامك البسيطة التي لا تجرؤ على التحدث بها. كأنك اكتفيت بالاحتفاظ بها لنفسك، وتبتسم بغبطة كلما تحسست قلبك وجسدك لتتأكد أن كل أعضائك سليمة، وأنك مازلت محتفظاً بيديك ورجليك، فتشعر بالثراء الفاحش لأنك بخير. مع أن الأثرياء بخير أيضاً، ولو مرضوا فإنهم يستطيعون شراء الدواء والعافية والأطباء، بينما عافيتك التي تتباهى بها لا تستطيع توفير زجاجة شراب السعال لابنتك الصغيرة.
تغالط نفسك لتستمر في صراعك مع الحياة، وترفع شعار “العافية أكبر غنى”، هذا الشعار الذي يجعلك قانعاً بوضعك، وأنت تعلم يقيناً أن العافية لا تكفي لإقناع طفلك بالاستغناء عن ملابس العيد.
هي ثقافة زرعوها بداخلنا، وتربية خاطئة تشرّبناها واعتنقناها كأنها واحدة من الثوابت والمسلَّمات.. ففي بعض القرى والأسر حين تفكر ببناء بيت لا تحاول أن تجعله جميلاً أو فخماً، وستسمع أحدهم يقول لك: “البيت الدايم نازل”.. “لو بنعمل للآخرة مثلما نعمل للدنيا؟”.. “يبني بناء من لا يخشى الموت”.. “فلان بنى بيت ومات قبل أن يدخله”.. ونادراً ما تجد شخصاً يقول لك: “الله يهنّيك ويجعله بيت العافية”.
* نقلا عن : لا ميديا