لقد أعطت القوى التي استأثرت بالحكم بعيد التحاق الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله وسلامه، بالرفيق الأعلى، امتيازات كثيرة للطلقاء بقيادة الأمويين، ولم يكن الخلفاء يلقون بالاً لكل ما كان الطلقاء يقومون به من مخالفات وظلم وتعدٍ وجور، حتى إن عمر بن الخطاب الذي عُرف عنه الشدة في محاسبة الولاة كان يقول إذا شكوا إليه معاوية: دعوا ابن سيد قريش، فإنه كسرى العرب! وكان إذا ما جلس مع معاوية، ووجد لديه أشياء منكرة، يكتفي بمناقشته حولها، دون أن يبدي رفضاً أو قبولاً، حتى وإن بادر معاوية بالقول: بم تأمرني يا أمير المؤمنين؟ كان الجواب عن ذلك قوله: لا آمرك ولا أنهاك!
وهكذا جرت الأمور، وكم هي الفظائع المبثوثة في بطون مؤلفات جمهور المؤرخين، وكتاب السير، التي لا يجد مَن يطلع عليها، وهو ذو فطرة سليمة، وغايته الحق، مع العبودية المطلقة لله، إلا أن يعترف: أن علياً والحسنين عليهم السلام، قد تم قتلهم قبل أن يقتلوا شهداء في الواقع، وذلك منذ اللحظة التي وقف كبار القرشيين، من تجار وعسكريين وشخصيات نافذة، بوجه النص القاضي بتعيين الخليفة للنبي صلى الله عليه وآله، وليس يعنيهم مصدر هذا النص، حتى وإن كان القرآن، ناهيك عن الرسول، صلوات الله عليه وآله، المهم هو الوصول للسلطة، وإن كان الثمن التضحية بالدين، لذلك كانت قضية الشورى عبارة عن خدعة، اتخذوها للإقصاء للوصي، وما لبثوا أن نبذوها هم، وعادوا لاعتماد النص لتعيين الخليفة، ولكن أي نص؟
إنه هذه المرة النص الصادر عن الخليفة المتوفى، لا النص الصادر عن الله، أو عن رسوله صلوات ربي عليه وآله، فيا لها من نفعية! تلك التي رفضت القرآن والسنة المطهرة، وقدست مرسوم فلان في مَن يخلفه بعد وفاته، ومن العجيب أن يقوم أحدهم بتعيين ستة أشخاص لاختيار الخليفة من بينهم، ثم يعطي عبدالرحمن بن عوف حق الاختيار المطلق، وإن كان مَن اختاره هو لم يحظ بالتأييد المجتمعي الواسع، ولا بمباركة كبار المهاجرين والأنصار، وهكذا وضع بن عوف العقدة في المنشار، ليتمكن بعدها الطلقاء من بسط هيمنتهم ونفوذهم على كافة مفاصل دولة الإسلام، ولم تكد تمضي على وفاة رسول الله، أكثر من عقد ونيف من السنوات، حتى بلغ التغلغل الأموي ذروته على كل المستويات، فقد جاء الخليفة الثالث بمنهجية وأساليب سياسية وإدارية ومالية لم يسبقه إليها أولئك الذين كان شرط ابن عوف عليه السير بسيرتهما سبباً لتوليه منصب الخليفة، إذ قام بتولية بني أمية على رقاب الناس، واستأثر معهم ببيت مال المسلمين، وأصبح بيت المال ملكاً شخصياً لبني أمية، يتصرفون به كما يشاؤون ويختارون، وليس من حق أحد محاسبتهم، أو منعهم، أو الاعتراض عليهم.
ولعل ما يحزن فعلاً هو أن الخليفة الثالث لم يكتف بإقطاع بني أمية أقطارا إسلامية بكل ما فيها، وفوق ذلك يستكثر على المهاجرين والأنصار إبداء المعارضة والسخط، جراء ما قام به من أخذ حلي وجواهر من بيت المال، ليحلي بها أهله، ثم يصعد على منبر رسول الله، ويقول: لنأخذنَ حاجتنا من هذا الفيء، وإنْ رغمت به أنوف أقوام!
* نقلا عن : لا ميديا