استطاع الإعلام الغربي والخليجي المعادي للمقاومة، أن يقدم صورة نمطية عن حزب الله باعتباره حركة عسكرية، أو دولة مسلحة داخل الدولة اللبنانية، في محاولة دائمة لمحو الصورة المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للحزب الذي أثبت حضوره وفاعليته في الحياة اليومية داخل المجتمع اللبناني بكل طوائفه وفئاته، وعلى الرغم من أن الحزب قدم تجربة ناجحة، بتحريره الإنسان والأرض والموارد، وفرض توازناً عسكرياً يمثل قاعدة للاستقرار، إلا أن هذه التجربة لم تأخذ حقها في الدراسة والبحث والتعميم على دول المنطقة، التي تتشابه ظروفها مع لبنان نتيجة للضخ اليومي للإساءة والتشويه الذي قدم هذه التجربة كأنها مصدر للاضطراب في لبنان والمنطقة.
صحيح أن حزب الله كان هدفه المعلن من المشاركة في الحكومة حماية ظهر المقاومة، ولكن هذا الهدف لم يكن ليتحقق بدون مؤسسات تنموية واقتصادية وثقافية، عملت على مدى سنوات لخلق بيئة مقاومة غير مرتهنة لأي طرف داخلي أو خارجي، والمتتبع لأداء ونشاط وزراء حزب الله في الحكومة منذ المشاركة الأولى في السلطة التنفيذية عام 2005 إلى اليوم يشاهد ترجمة هؤلاء الوزراء لما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إنّ مشاركة الحزب في الحكومة تأتي للحفاظ على ما تبقى من لبنان اقتصاديا وماليا وعلى مختلف الصعد.
لذلك، ليس مستغرباً أن نجد في تجربة حزب الله نموذجاً في حماية المواطن اللبناني من خطر السياسات الحكومية الفاشلة، التي تسير وفق الخطط الأمريكية الهادفة لإغراق البلد في حالات الفوضى الأمنية والتضخم الاقتصادي وتدمير مؤسسات الدولة الخدمية لصالح الرأسمالية الغربية، وشكل المفهوم الاجتماعي هاجساً لدى حزب الله الذي رفض أن تأتي الإصلاحات الحكومية على حساب الفئات الفقيرة والأشد فقراً، ووقف بوزرائه في وجه الهندسات المالية التي استفادت منها طبقات وشرائح ازدادت ثراء لتتسع الهوة بين الفئات الاجتماعية، كما وقف الحزب موقف الرافض لكل الإجراءات الضريبية التي لا تراعي مبادئه تحت شعار «التصحيح لا يكون على حساب الناس»، واستمر بتأدية دوره ومواقفه في السلطة التنفيذية على هذا الأساس.
قاتل حزب الله على جبهتين، الأولى في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» والثانية في وجه السياسات الحكومية والفساد المالي والإداري واستطاع الحزب منذ انطلاقته، الحفاظ على التوازن بين عمله العسكري كمقاومة تحمي لبنان، وبين احتضانه لمجتمع المقاومة ورعايته، من خلال مأسسة الخدمات التي يحتاجها المجتمع، بطريقة خدماتية وإنمائية ثورية تستوعب احتياجات الناس ليس من خلال الهبات والمساعدات، وإنما بتعزيز ثقافة التمكين، في مجالات الصحة والتعليم والبناء والإنتاج، متمسكاً باستراتيجية منهجها أنه حركة مقاومة وليس سلطة بديلة عن الدولة، جعلته هذه الاستراتيجية مدرسة تنتج المجتمع المقاوم، القادر على المشاركة الفاعلة والمساهمة في إيصال ممثليه إلى السلطة، لتحقيق المطالب الشعبية.
عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية عقب الحصار الأمريكي، وتضخم العملة المحلية وأزمة كورونا وتفجير مرفأ بيروت، بدأت المصارف اللبنانية في وضع حد للسحوبات بالدولار الأمريكي وفرض ضوابط غير رسمية على رؤوس الأموال، ما دفع العديد من المودعين إلى سحب أكبر قدر ممكن من الدولارات، وقدر ما تم سحبه من المصارف بنحو 6 مليارات دولار نقداً، وإزاء ذلك لم يقف حزب الله مكتوف الأيدي، ونفّذ سلسلة من البرامج والمبادرات ضمن مؤسساته الموجودة على الأرض لمساعدة السكان اقتصادياً عبر نظام مصرفي قوي، وبمجرد أن أغلقت البنوك أبوابها وجمّدت حسابات الدولار، استطاع حزب الله توفير العملة الصعبة من خلال جمعية مؤسسة القرض الحسن، ودعا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله اللبنانيين لإيداع أموالهم في مؤسسة القرض الحسن، للاستفادة من هذا النظام المصرفي الإسلامي الذي لا يساوم المودعين على أموالهم ولا يخضع للسياسات الاقتصادية الأمريكية التي تتحكم بمصارف لبنان وبنوكه.
ولمعرفة جمعية مؤسسة القرض الحسن فهي تهدف إلى مساعدة الناس من خلال منحهم القروض لآجال محددة مساهمة منها بحل بعض مشكلاتهم الاجتماعية، من أجل تعزيز روح التعاون والتكافل والتضامن بين أفراد المجتمع، تأسست هذه الجمعية في العام 1982، عقب الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان وما خلفه من أوضاع اجتماعية واقتصادية مدمرة، لتكون رافدا من روافد المقاومة عبر دعمها للمجتمع اللبناني وتمّ ترخيصها من وزارة الداخلية اللبنانية سنة 1987 ومنذ التأسيس وحتى الآن وهي تمنح القروض دونما تمييز أو تفرقة بسبب الدين أو المذهب أو المنطقة أو غيرها، وتمنح القروض لتلبية كافة الحاجات سواء الاجتماعية أو الإنتاجية، معتمدة على الضمانات المالية والعينية مقابل القروض المعطاة، وتنتشر فروعها على كافة الأراضي اللبنانية.
خلال الأزمة الأخيرة قدم الحزب عبر «القرض الحسن» قروضاً بقيمة 3.7 مليار دولار أمريكي لنحو 1.8 مليون شخص بدون أي فوائد، وهنا يعود الفضل للجمهور الذي يثق بالحزب ومؤسساته التي صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهاب وأودع الأموال في «القرض الحسن» بعد أن خذلته المصارف الحكومية والخاصة.
هذه التجربة حافظت على أموال الناس من جهة، وقدمت القروض الميسرة للمحتاجين من جهة أخرى، ولم تترك بيئة المقاومة بدرجة أولى وبقية فئات المجتمع بشكل عام فريسة في يد السياسات الأمريكية التي تحاصر لبنان بغية إحداث فوضى اقتصادية الهدف منها تجويع وإفقار البيئة المقاومة المتمسكة بحزب الله.
في العدد القادم نتناول تجربة حزب الله في توفير المشتقات النفطية.
* نقلا عن : لا ميديا