في الحقيقة وبكل موضوعية وتجرد، لقد ترددت كثيرا قبل أن أبدا بكتابة مقالتي هذه عن عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها فجر السبت وحدات المقاومة الفلسطينية ــ حماس وغيرها من الفصائل الأخرى ــ والتي ما زالت جارية حتى الساعة، داخل مستوطنات غلاف غزة على أراضي فلسطين المحتلة، والجارية أيضا في عروق ووجدان كل مقاوم ومجاهد ومناضل ومفكر، يؤمن وعن حق وصواب، بأن إسرائيل إلى زوال.
ترددت لأنه من الصعوبة فهم وتفسير ما جرى من الناحية العسكرية، حيث نتكلم عن هجوم واسع مباغت، نفذته المقاومة الفلسطينية من عن سطح الأرض بشكل مكشوف، سيرا وركضا وبواسطة آليات ميدان سريعة ودراجات نارية، ومن تحت الأرض عبر إنفاق لا أحد يعلم أولها من آخرها أو مداخلها من مخارجها، ومن فوق الأرض، عبر سلسلة من المقاتلين الطائرين بطائرات مظلية، والذين تجاوزوا بكل سهولة وثقة، أجواء خطوط المواجهة بين القطاع وبين المستوطنات شمالا وشرقا، ليحطوا في شوارع وأحياء تلك المستوطنات بكامل عتادهم العسكري.
وحيث نتكلم أيضا عن مناورة صاروخية أطلق خلالها وفي غضون دقائق، أكثر من 5000 صاروخ وقذيفة من كافة الأحجام والمديات، وعلى مروحة واسعة من المدن والمستوطنات داخل الأراضي المحتلة، من الصعوبة فهم وتفسير هذا الفشل الاستعلامي الذريع للعدو ولأجهزته الأمنية والمخابراتية، والتي عجزت عن التقاط أي معلومة ولو بسيطة، عن تحضيرات ضخمة وواسعة لعمل مهول، بقيت سرية بامتياز لأشهر وربما لسنوات، ولتحصل عملية واسعة وبلمح البصر، نفذها آلاف من المقاتلين المجهزين بكامل العتاد المناسب للاقتحامات الخاصة، وعلى طول جبهتي القطاع الشمالية والشرقية، متوغلين حتى عسقلان شمالا وأوفاكيم شرقا ولمسافات تجاوزت أحيانا أكثر من 40 كلم عن حدود القطاع.
” طوفان الأقصى”: عملية استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، في الشكل وفي المضمون وفي الابعاد وفي الرسائل
عملية غير عادية وغير تقليدية، حيث لم يكن يتخيل أحد أنها تحصل بهذه الطريقة وبهذه الجرأة، وحيث لم يكن أحد ليصدق ما راه وما زال يراه ــ حيث ما زالت العملية مفتوحة على كافة الاحتمالات في المكان وفي الزمان من اشتباكات داخل مستوطنات مسلحة ومجهزة ببنية عسكرية غير بسيطة، أو اقتحامات صادمة لثكنات ومراكز عسكرية إسرائيلية، تتكدس فيها الدبابات والمدرعات واعتدة المراقبة والرصد، فيدخلها المقاومون ويشتبكون مع عناصرها ويقتلون ويصيبون منهم البعض ويأسرون البعض الآخر المتبقي، وكأنهم ينفذون مناورة تدريبية، حفظوا تفاصيلها عن ظهر قلب لكثرة ما تمرنوا عليها، وباتوا يتحكمون بكل زواياها وأجنحتها وساحاتها ومخازنها وملاجئها.
عملية استثنائية في الشكل والمضمون أيضا، حيث غابت عن دورها وكأنها غير موجودة أو كأنها معطلة، إجراءات الرصد والمراقبة وشبكات الدفاع الجوي وراداراتها المتشابكة مع بعضها، فكانت هذه المظلات الطائرة بالنسبة لها، وكأنها طيور الخريف تبشر بفصل جديد تنتظره سماء فلسطين والمنطقة باسرها.
نعم هو فصل جديد من الكرامة والقوة والعنفوان، صنعه مقاتلو ومجاهدو المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، هو فصل جديد وغريب وغير منتظر… سوف يفرضه الفلسطينيون بعد هذه العملية وما غنموه فيها من موقع ومن موقف ومن قوة وثبات، وسوف يفرضه الفلسطينيون أيضا من خلال ما استطاعوا الفوز به من عشرات الأسرى الصهاينة، عسكريين ومستوطنين، سيشكلون حتما نقاطا قوية للتفاوض، وعلى طريق التحرير الكامل، سيكون هؤلاء الاسرى الصهاينة، مفتاحا فاعلا وفاصلا لتحقيق الكثير من المطالب والحقوق وأهمها: حماية المقدسات والحرية لأغلب الأسرى في سجون العدو.
* المصدر: موقع العهد الاخباري