بدأت ملامح «محور القدس» تتحقق على أرض الواقع، بالتضافر والتنسيق بين الجبهات، مع الضربات التي وجهتها المقاومة في لبنان للمواقع «الإسرائيلية» في مزارع شبعا، والتضامن اليمني الذي شكل لوحة شرف وقعتها الحشود اليمنية، والتأييد السوري كنظام عربي وحيد أعلن دعمه لعملية «طوفان الأقصى»، وتهديدات المقاومة العراقية بتحويل الوجود الأمريكي في المنطقة إلى أهداف مشروعة إذا تدخلت واشنطن مباشرة في أحداث غزة.
بدأت ملامح التحول الاستراتيجي للطوفان المقاوم المتسق مع الاسم الذي اختارته المقاومة للعملية المباركة «طوفان الأقصى» في التشكل والبروز، حيث هرع العدو بشكل مباشر إلى راعيه الأمريكي مستغيثا به وراميا كامل ثقله الاستراتيجي في جعبته، في مشهد شبيه بيوم العبور في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، عندما استغاثت جولدا مائير بأمريكا للحماية من الانهيار.
ولكن هناك فوارق بين المشهدين رغم المشتركات الشكلية، وهذه الفوارق تعطي ملمحا للتحولات الجديدة:
1. الفارق بين المشهدين، هو أن المشهد الأول كان استغاثة صهيونية من جيوش عربية مدججة بالسلاح وأمة موحدة على خيار التحرير وتضغط لإنفاذه، واستقطاب دولي يسمح بوجود كتلة مؤيدة للتحرر الوطني.
بينما المشهد الراهن هو استغاثة صهيونية من حركات للمقاومة لا تتمتع بإمكانيات الجيوش وعتادها، وظرف إقليمي مأزوم تنشغل الشعوب فيه بأزماتها الداخلية مما يشكل تراجعا لمقام القضية المركزية في أولوياتها، بل هناك نخب مخترقة ووعي زائف يجعل من المقاومة قضية خلافية داخل بعض القطاعات، ووضع دولي لم يصل بعد للتعددية القطبية بشكل كامل وهو ما يوفر غطاء للإجرام الصهيوني ويجعل من دعم المقاومة عملا متواريا تمارسه بعض الدول على استحياء!
وهو ما يعني أن المستقبل ترسمه حركات المقاومة ولن يضرها من خذلها.
2. المشترك بين المشهدين هو وصول الكيان إلى تهديد وجودي، ورغم ذلك كانت استغاثته بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1973 مبنية على ثقله داخل الاستراتيجية الأمريكية ومشروعها بالمنطقة، باعتباره الحليف الاستراتيجي الأول والأبرز للمشروع الغربي، بينما هذه المرة جاءت استغاثته رخيصة، حيث جاءت على هيئة توريط لأمريكا عبر الترويج لضحايا وأسرى أمريكيين لدى المقاومة، وهو ما يعكس شعوره بالتراجع والأهمية، من جهة، ومن جهة أخرى يقينه بالضعف والتراجع الذي لحق بأمريكا مما يجعلها تتردد وتجبن عن التدخل وتحتاج لمحفزات وإلى توريط.
3. بدأت ملامح «محور القدس» تتحقق على أرض الواقع، بالتضافر والتنسيق بين الجبهات، حيث شكلت الضربات التي وجهتها المقاومة في لبنان للمواقع «الإسرائيلية» في مزارع شبعا المحتلة استجابة سريعة لوحدة المعركة، حيث تجاهلت التحذيرات الأمريكية والصهيونية وبينت أن المقاومة ستكون حيث يجب أن تكون، وأبرزت جهوزيتها لأي انزلاقات، وأنها لن تترك غزة ولا فلسطين وحيدة، وأن المعركة الكبرى رهن بسلوك العدو وحماقاته وأن توقيت رسم المعادلات الجديدة انتقل إلى يد المقاومة صاحبة المبادرة وبتوقيتها.
كما تزامن مع عمليات المقاومة في لبنان، هذا التضامن اليمني الذي شكل لوحة شرف وقعتها الحشود اليمنية، مع التأييد السوري كنظام عربي وحيد أعلن دعمه لعملية «طوفان الأقصى»، ناهيك عن المقاومة العراقية التي تمثلت في تهديد كتائب «سيد الشهداء»، بأنه إذا تدخلت واشنطن مباشرة في أحداث غزة سيتحول كل الوجود الأمريكي في المنطقة إلى أهداف مشروعة لمحور المقاومة.
نحن إذن بصدد مشهد جديد من الجانب الاستراتيجي بتطبيق التحالف وترجمته إلى تنسيق سياسي وعسكري بالميدان للتحرك في مسار استراتيجي موحد عنوانه التحرير، ومن الجانب العملياتي بتطور نوعي في العمليات والتكتيكات وحجم الخسائر غير المسبوقة في صفوف العدو وبعثرة صفوفه بهذا الشكل المهين والمذل الذي لا يحدث لأضعف الجيوش وأكثرها عشوائية وبدائية.
من الشواهد الراهنة تتدرج الاحتمالات وفقاً لتدحرج الأمور حيث تبدأ من نهاية حتمية لمستقبل نتنياهو السياسي وحكومته في المدى المنظور وتصل لتدحرجات أكبر لا يستبعد معها ولا يعد بعيداً، زوال هذا الكيان برمته، حيث بثت الشاشات الكثير من المشاهد التي تعد تجارب «بروفات» من مشهد الانهيار والزوال.
كاتب مصري
* نقلا عن : لا ميديا