الاعترافات التي يبثها الإعلام الحربي اليمني كل فترة وأخرى عن الخلايا العسكرية لحزب الإصلاح اليمني التي تسقط تحت أيدي رجال الأمن بعد متابعة ومراقبة طويلة، ثم تعترف بأعمالها وارتباطاتها وتحركاتها، هي اعترافات لافتة للنظر، ومؤثرة بشكل عميق في الوجدان والتاريخ السياسي اليمنيين.
هذه الخلايا العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين تؤكد ما نسمعه دائماً وبين كل فترة وأخرى، في دول عربية متعددة، من وجود أجنحة عسكرية سرية مسلحة لهذه الجماعة تقوم بعمليات الاغتيالات والقتل والتصفية الجسدية والفوضى الأمنية بناء على مصلحة قيادات معينة في الجماعة أو مصلحة جهات إقليمية مرتبطة بها.
لقد تم استخدام ذلك التنظيم السري المحكم لجماعة الإخوان المسلمين لتجنيد شباب بريء في عمليات إجرامية خطيرة مخالفة للدين وللقانون ولكل الأعراف والنظم المعروفة.
قيادات فاسدة في جماعة الإخوان المسلمين يتم استقطابها من قبل دول معينة بالأموال والعطايا والهبات، من أجل تجنيد مئات وآلاف الشباب ليقوموا بعمليات تهدد الأمن والاستقرار في دولهم من أجل مصالح تلك القيادات أو الدول.
ولذلك فقد صار من المفهوم سعي كثير من الدول العربية لحظر هذه الجماعة، وجعل الانتساب إليها جريمة يعاقب عليها القانون، لأنها تصر على السرية والابتعاد عن المجتمع حتى لو كان مسموحاً لها العمل والتنظيم والتنسيب، وتصر على العمل الخفي، والذي يؤدي لتكون تلك التنظيمات العسكرية السرية، والتي لا يعرف عنها كثير من أعضاء تلك الجماعة أنفسهم!
إن ما سمعناه وشاهدناه في اعترافات خلايا (مذبح وشعوب وعصر وهائل) في أمانة العاصمة صنعاء، هو أمر مذهل وغريب.
شباب في عمر الزهور انتسبوا للجماعة منذ 10 سنوات أو أكثر، وتم استقطابهم لعمل عسكري يقوم على اغتيال قيادات أمنية وسياسية على موتورات، وبزراعة ألغام وعبوات ناسفة، وكذلك رفع إحداثيات للطيران، ومراقبة عدد من الشخصيات ودخولها وخروجها ورفعها لاستخبارات العدو السعودي!
كيف تم غسل عقول أولئك الشباب؟ ومتى تم إقناعهم بالعمل ضد بلدهم وقومهم وشعبهم؟ ومن الذي أقنعهم بجواز الاغتيالات وإزهاق النفس والتجرؤ على الدماء؟ وهل هذه هي ثمرة الانضمام لحلقات التحفيظ في المساجد التي تنشئها وترعاها جماعة الإخوان المسلمين وجمعياتها الخيرية ومؤسساتها التعليمية؟!
والمشكل الأكبر أن جميع قيادات هذا التنظيم (في اليمن وفي غيره) ترفض الاعتراف بأي خطأ، وتتغافل عن تلك الجرائم، وتنفي وجود جناح عسكري، وهذا يعني أنها غير مستعدة للمراجعة والتصحيح أصلاً، فالاعتراف بالمشكلة هو أولى الخطوات نحو معالجتها، أما إنكارها فيعني عدم الرغبة في معالجتها، وهذا ما تقوم به قيادات جماعة الإخوان المسلمين وذراعه السياسية حزب الإصلاح اليمني.
مازلت أذكر حلقات بثتها قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر للصحفي أحمد منصور، مع أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين التاريخيين، حيث اعترف بحادثة محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، وقبله حادثة اغتيال رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا في أيام الملكية قبل الثورة، وبالتحديد سنة 48، وذلك رغم النفي الإخواني المتكرر لمدة 50 سنة بأن ليس لهم أية علاقة بتلك الحوادث وأنها حوادث تلفقها الأنظمة الدكتاتورية للنيل منهم فقط.
التاريخ يعيد نفسه، والجماعة ينفون أية جرائم يقومون بها، وربما بعد 50 سنة سيعترفون أنهم خلف معظم جرائم الاغتيال والقتل والتفخيخ في اليمن.