صغاراً كنا لا نعي من أمر السياسة ودوامتها شيئاً؛ إلا أننا حملنا في قلوبنا فلسطين وقضيتها وبكل اهتمام. كنا نتابع مع أهالينا أخبارها التي كانت تتصدر قوائم الأخبار العربية والعالمية، ونعتبرها قضية العرب والمسلمين الأولى. بكينا كل مجزرة يرتكبها الصهاينة، ونعينا شهداءها، ومع كل مذبحة، نصحو صباحاً في طابور الصباح نغني للقدس، مدينة الصلاة، وأقصاها، وأشجار الزيتون المقطوعة والمستبدلة بها «المستوطنات».
عبثاً كنا نحاول أن نستنهض العرب لإنقاذ فلسطين من يد المحتل، ونذكرهم بما تعيشه منذ عشرات السنين، منذ وعد بلفور اليهود بمنحهم وطناً عليها وكيف هُجِّر أهلها وغُرِّبوا في أقطار الأرض حالمين بالعودة يوماً ما إلى بيوتهم التي حملوا مفاتيحها برقابهم وجيلاً بعد جيل يتوارثونها كما يتوارثون حلم العودة!!
سبعة عقود والفلسطينيون يعمدون بدمائهم اسم فلسطين وطناً ودولة عاصمتها القدس، في حين يريد الكيان الغاصب أن تحمل هويتين يكون له فيها النصيب الأكبر في ظل دفاع ومقاومة من أبناء فلسطين الذين خطت سنوات الاحتلال تجاعيدها البشعة على وجوههم وعلى حيطان وجدران القدس في ظل صمت وتجاهل من خونة العرب ورضا تام منهم، حتى أن بعضهم شد الخطى نحو الكيان الصهيوني ليتقرب إليه زلفى ويمكنه من غرس أوتاده وكيانه بالأرض العربية، غير آبهين لما يتلونه من آيات تحرم التولي والتقرب لليهود!!
ازداد الصهاينة بشاعة وضراوة بعد أن ضمنوا عدم التنديد والإدانة، فكان لهم في كل يوم مجزرة، وكانت جنائز القدس وأقصاها لا تتوقف، ومساحة الأرض تتناقص من أيدي الفلسطينيين، والحرمات تنتهك ظنا أن العنف هو طريقهم وسلاحهم لاستبدال هوية القدس العربية.
إنها أضغاث أحلام حولها الفلسطينيون إلى كوابيس، بعد أن ظلوا لسنوات ينمون أنفسهم ويرصون الصفوف ويشعلون نار غضب عمرها سبعون عاما تناثرت ويلا وثبورا على المدن المحتلة في عملية «سيف القدس» التي أسقطت كل رهانات الصهاينة وأعادت إلى الذاكرة فلسطين ومقاومتها وتمخضت عن أبطال سطروا ملاحم جعلت العدو يرتعد خوفا ويحاول بالعنف استعادة ما كُسر من هيبة جيشه الذي ظن أنه «لا يُقهر»، حتى رأيناه على إثر طوفان وبيوم «سبتهم» يتهاوى تحت أقدام أبطال المقاومة الذين اقتحموا السياج وحطموا الجدران والأوهام في عملية «طوفان الأقصى»، وأوقدوا من رماد نكبة فلسطين ونكسة العرب جمرة أشعلت «المستوطنات» ونسفت أكذوبة جيش العدو ومخابراته التي قيل إنها من الأقوى في العالم، فتحطمت على ذات مروحية ومظلة وقذيفة! فكان الفجر الأقسى على الكيان، كما وصفه «نتنهم»!
هو الطوفان الذي لن يكف عن الهيجان حتى يصبح الكيان سراباً في مخيلة اليهود والمطبعين، وحلماً بائداً يخشى أصحابه أن يراودهم على حين غفلة وغفوة.
أما حلم أبناء فلسطين وكل عربي حر فصار حقيقة ناصعة في سماء دول المحور التي تلحف أبناؤها بعلم فلسطين وملؤوا ساحات وباحات مدنهم احتفالا بالنصر ودعما وتأييدا ومباركة ويقينا بأن اليوم الموعود لتضمهم القدس وأقصاها بات قاب قوسين من تحقيق الحتميات الثلاث التي ذكرها السيد القائد والمتمثلة في هزيمة العدو، وهزيمة الموالين له، وغلبة حزب الله المؤمنين.
* نقلا عن : لا ميديا