تؤكد صنعاء، بالقول والفعل، أنها على مستوى عالٍ من الجاهزية للمشاركة في نصرة الشعب الفلسطيني في معركته الوجودية ضدّ العدو الإسرائيلي، وهي تبعث بالمزيد من الرسائل على طريقتها إلى العدو، كما تراقب الوضع عن كثب من الحدود اليمنية - السعودية وحتى جنوب البحر الأحمر، وصولاً إلى المجال الجوي لإيلات.
وبينما كانت صنعاء تنتظر ردّاً سعودياً على عرض قُدّم للرياض بفتح المجال للمقاتلين اليمنيين للمشاركة في القتال في الأراضي المحتلة، عمدت السعودية إلى تحريك نسبي لبعض جبهات الحدود، وذلك عبر قوات بحرينية مرتبطة بالأسطول الأميركي الخامس لزرع أجهزة تجسّس هناك، بهدف رصد أيّ هجمات يمنية ضدّ إسرائيل، لكن تلك المحاولة كانت محلّ رصد، وتمّ إفشالها، وانتهت بمقتل عدد من الجنود السعوديين والبحرينيين في مناطق تماس على الحدود.
وتزامناً مع ذلك، تعرّضت أكبر قاعدة تجسّس إسرائيلية في جزيرة دهلك الإريترية جنوب البحر الأحمر لعملية عسكرية مزدوجة، استُخدمت فيها الصواريخ والطائرات المسيّرة، وحقّقت أهدافها في تعمية العدو وضرب مراكز المراقبة الإسرائيلية للبحر الأحمر، والتي تستخدمها تل أبيب في رصد طرق إمداد المقاومة في المنطقة. ووفق معلومات حصلت عليها «الأخبار»، نُفّذت العملية في وقت متأخّر من ليل الأربعاء، أي قبل 12 ساعة من الكشف عنها من قِبل وسائل إعلام عربية، وتأكيد وقوعها من قبل وسائل إعلام العدو، وهو ما يعني أن الكيان الإسرائيلي حاول التكتّم على استهداف أهمّ قاعدة عسكرية تابعة له في "الخارج"، لأوّل مرّة منذ سبعينيات القرن الماضي. وأدّى الهجوم المزدوج إلى تدمير برج المراقبة الخاص برصد السفن والرقابة البحرية في جبل أمبا سوير الإرتيري، والذي تستخدمه إسرائيل في تتبّع حركة الملاحة البحرية من جزيرة دهلك وحتى مضيق باب المندب، كما حقّق إصابات مباشرة في القاعدة الإسرائيلية في أرخبيل دهلك، موقعاً قتلى وجرحى.
ردّت صنعاء على التهديدات الأميركية بتأكيد الاستعداد لضرب أهداف حساسة في إسرائيل
وتوقّع الباحث العسكري، العميد عبد الله بن عامر، وهو نائب مدير التوجيه المعنوي لقوات صنعاء، عدم اعتراف تل أبيب رسمياً بالهجوم، لأن الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة غير معلن. وأشار، في تغريدة على منصة «X»، إلى أن «الهجوم يأتي في إطار التصعيد المتقدّم، لأننا نتحدث عن قواعد عسكرية بقوات نخبة يهيمن الإسرائيلي من خلالها على البحر الأحمر وباب المندب، وفيها طيران حربي وشبكة مراقبة حركة الملاحة ورصد وتجسّس بتقنيات عالية، وهو ما يعدّ اختراقاً مهماً».
من جهتهم، اعتبر مراقبون عسكريون في صنعاء أن ضرب القاعدة أكد تفوّق القدرات العسكرية للقوات اليمنية، مشيرين إلى أن "دهلك" تُعدّ من أهمّ القواعد العسكرية الاستراتيجية التابعة لتل أبيب خارج إسرائيل، وأحد أهمّ مصادر المعلومات للعدو، واستهدافها يفتح الباب واسعاً أمام هجمات جديدة قد تطاول مصالح أميركية في البحر الأحمر وتتيح هامشاً واسعاً لاستهداف أيّ إمدادات عسكرية للعدو عبر البحر الأحمر. والجدير ذكره، هنا، أن "دهلك" التي تبعد عن صنعاء أكثر من 400 كيلومتر، أبعد بكثير من قواعد فرنسية وأميركية موجودة في جيبوتي، ومن مراكز تجسّس أميركية توجد في مرتفعات جزيرة حنيش الكبرى.
ولم تتبنّ قوات صنعاء الهجمات على "دهلك" بشكل رسمي، إلا أن الواضح أن هذه العملية تأتي في إطار الرسائل التي تبعث بها إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار»، من مصدرَين سياسيين، أن صنعاء رفضت تهديدات أميركية بشأن تدخّلها العسكري في الحرب الدائرة في قطاع غزة، وردّت على مطالب واشنطن برسائل عبر الوسيط الإقليمي نفسه الذي نقل إليها تهديدات أميركية، مؤكدةً أن قواتها لن تتراجع عن نصرة الشعب الفلسطيني ولن تسمح بإبادة أبناء غزة وتهجيرهم، وأن الضربات التي وجّهتها سابقاً هي عبارة عن رسائل فقط. وحملت الردود اليمنية، أيضاً، تلويحاً بضرب أهداف حسّاسة في الكيان، وتأكيد الاستعداد الكامل للدخول في حرب إقليمية شاملة في حال استمرار العدو في حربه وحصاره على القطاع.
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية