في السابع من أكتوبر/تشرين الجاري، استشعرت الولايات المتحدة أن "إسرائيل" ماتت، وأنّ هذا الموت المفاجئ يعني أنّها كإمبراطورية تفقد قلبها، حيث يُعتبر الشرق الأوسط قلب الإمبراطورية الذي يمدها بالدم والأوكسجين، وعليه قررت أن تجعل من الشرق الأوسط كله مأتماً للكيان الزائل، فلا يموت وحده.
وكان الهدف الواضح منذ اليوم الأول، هو الاستفراد بغزة، وإطلاق يد الكيان الزائل بلا حدود، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى التهديد والوعيد في سبيل عدم فتح جبهاتٍ أخرى، خصوصاً جبهة الجنوب اللبناني، وقد دأب المسؤولون الأمريكيون، على تحديد اسم حزب الله، بأنّه المعنيّ الأول بهذه التحذيرات، وهذا يؤشر لحجم القلق الأمريكي مما وصلت إليه قدرات حزب الله وقوته.
وما يؤكد ذلك، هو الإصرار الأمريكي على إطلاق تحذيراتٍ للحزب كلما واجهوا كاميرا أو مكبر صوت، وكذلك يفعل قادة الكيان الزائل من كل المستويات، ولكن في المقابل هناك صمتٌ مطبق يمارسه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حتى نهار الجمعة المقبل، وقد أصبح لهذا الصمت هديراً في كل عواصم القرار، وقد تكون المرة الأولى في التاريخ، الذي يصبح فيها الصمت معادلة ردع، وكتلة صلبة ذات ثقلٍ نوعي في ميزان قوى.
ورغم الصخب الهائل على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ورغم بعض الإطلالات لمسؤوليين وقيادات حزبية وبرلمانية في حزب الله، إلا أنّ الإجابة الشافية عمّا يؤرق أعداء الحزب، لم تكن بين السطور، إن كان مما يجري من معارك على الحدود، أو ما تجري به ألسنة القادة والمسؤولين، إجابةٌ قد تعدل مصير كياناتٍ وإمبراطورياتٍ على المحك.
إجابةٌ يبحثون عنها في كل كلمةٍ أو حركة، في تسريبٍ هنا أو استنتاجٍ هناك، لكنها تختبئ خلف سبابةٍ تعرف متى ترتفع نحو السماء، ومتى تظل كامنةً تكتنز ساعة الصفر.
يُثار في وسائل إعلامٍ غربية وعربية، أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، حث رئيس وزراء الكيان الزائل على عدم فتح جبهة لبنان، وبغضّ النظر عمّا يُساق من أسباب لذاك الطلب، فإنّه يوحي بأنّ الكيان بجيشه وحكومته لا زال ممسكاٍ بزمام القرار، وهذا على الإطلاق ليس دقيقاً، فإنّ القرار أمريكي والحرب أمريكية، ولكن من سيتحمل نتائج الهزيمة بشكلٍ مباشر هو الكيان الزائل، لأنّ الولايات المتحدة ليست في طور الزوال، كما هو حال الكيان الزائل.
وبما أنّ الكيان في طور الزوال، وكأنّه يقوم بتطبيق المثل الشعبي "يا رايح كتّر من الفضايح"، فيمعن في القتل ويوغل في الدم بلا أيّ اعتبارٍ لأخلاق حربٍ أو حتى أخلاق بشر، بل ولا غريزة حيوانات.
وهم في هذا سواء، من سياسيين وعسكريين وإعلاميين وأكاديميين، حيث سألت مذيعة "بي بي سي" مثلاً، أحد الأكاديميين الصهاينة باستنكار، عن وصف قادة العدو لأهل غزة بالحيوانات، فأجاب بلا تردد، "وأنا أحتج مثلك! لأنّ هذا تجريحٌ للحيوانات".
هؤلاء السفلة لا يردعهم في الكون إلّا الخوف، والخوف وحده هو من يجعلهم فئران هاربة، ولا شئ دون ذلك، فالجبن فيهم جبلةٌ أصيلة، لذلك كل ما يخشونه هو اتساع رقعة جغرافيا الحرب، ولا تتجه أنظارهم إلّا إلى ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يدركون أنّ حركتها وفناءهم صنوان، وهي حركة بغض النظر إن توقعوها أو فاجأتهم، سيخافونها كعقدة فناء ولو بعد زوالهم بألف عام.
أمّا أؤلئك الذين يستيقظون كل صباحٍ إن استطاعوا للنوم سبيلا، ويكتشفون أنهم وعائلاتهم ليسوا رقماً في نشرات الأخبار على عداد الشهداء والجرحى، فإنّهم لا ينفكون تخيّل عالمٍ بلا "إسرائيل"، إنّه العالم المثالي والكوكب الجنة، ويجزمون أنّه لا ثمن لما يحدث إلّا زوال الكيان اللقيط.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري