كان الخطاب درساً سياسياً عسكرياً يصعب فهمه على الطائفيين والمزايدين، إذ شبك فيه الواضح مع الغامض بحبل واحد ثم رمى الكرة في ملعب الأمريكان، الذين بدؤوا يلوحون من الليلة السابقة للخطاب بهدنة إنسانية لإرباك الخطاب.
أولاً: أقول لأولئك الذين كانوا يتوقعون «البيان رقم واحد»: لماذا لا تبحثون عما تفهمون فيه وتتركون السياسة لخبرائها؟! فلم يكن المحور يوماً ينفذ ما يتوقعه الخصم، بل كان يفاجئه بجره للمربع الذي يريده المحور ليستطيع التعامل معه. وسنوضح هذا أكثر كما يلي:
إعلان دخول الحرب بشكل رسمي من اليوم الأول كان سيضيع على شعوب العالم فرصة التعرف على الوجه الوحشي الحقيقي للأمريكان و«الإسرائيليين»، وكان سيعزز سردية المظلومية «الإسرائيلية»، وكان سيستفز كل دول العالم التي تضامنت مع «إسرائيل» (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وبولندا... إلخ)، ويعطيها الذريعة لتعلن دخولها الحرب ولن تكون الضربة الأولى موجهة للحزب، بل سيبدؤون بالمطارات والمستشفيات والموانئ والجسور والبنى التحتية والكهرباء والماء، مستغلين الفرصة ليكمل عملاؤهم في لبنان الطعن في الظهر، ثم يبدؤون هم بعدها بالاشتباك مع الحزب.
لكن عوضاً عن ذلك بدأ الحزب مع الكيان معركة «فقء العين»، وبدون ضجيج إعلامي، في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، وبدأ بما يقلقه، متمثلاً في مواقع التنصت والتشويش والرصد والتوجيه اللاسلكي والكاميرات الحرارية، إذ دمرها بشكل كبير، فأصبحت المعركة تخاض بشكل متكافئ، ثم اشتبك معهم ليدمر 12 دبابة و33 موقعاً عسكرياً ويُسقط منهم القتلى والجرحى، ويترحل حوالي 100 ألف مستوطن من شمال فلسطين. هذا كله بدون إعلان.
وسيكون العمل في المرحلة القادمة تصعيداً أكثر؛ ولكن بسهولة أكثر في التحرك، بعد زوال المعوقات.
بشكل عام، نجاح المعارك يقيّم بمدى تحقيق الأهداف، و«إسرائيل» وحلفاؤها قد حددوا أهدافهم، وهي القضاء على حماس وتدميرها تماماً، وتحرير الأسرى دون شروط، بينما الحزب طرح هدفين:
الأول: وقف العدوان على غزة. والثاني: انتصار المقاومة هناك، وتحديداً حماس.
وسننتقل مباشرة لتحليل الهدف الثاني، والذي يعني مباشرة نسف أهداف «إسرائيل» تماماً وتحقيق نصر واضح، وهذه مهمة كبيرة جداً تفتح الباب على كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف.
وهنا يكون الحزب قد وضع أمريكا و«إسرائيل» في زاوية الحلبة، ويقول لهم: إما تحقيق هدفي وإما تحقيق أهدافكم، وأنا جاهز لكل الخيارات. وهنا رمى الكرة في ملعبهم ولهم الخيار.
«إسرائيل» قد استخدمت كل أوراقها وكشفت كل أساليبها، بينما لم ينجر المحور لما يريده العدو، فمازال الغموض يكتنف كل شيء تقريباً، فلا معلومات عن التسليح ولا قدرته ولا فاعليته. كل ذلك مفاجأة مخبأة تحت كلمة «أعددنا له عدته».
لن يقاتل الحزب أو المحور كما يريد الخصم ولا كما يتوقع، بل يرسمون قواعد الاشتباك الخاصة بهم وفقاً لأهدافهم التي يرغبون بتحقيقها. وقد أعلن سماحة السيد نصر الله منها اثنان، والعدة جاهزة... وفهمكم كفاية.
* نقلا عن : لا ميديا