في ظلّ أجواء توتّر شديد تعيشها منطقة البحر الأحمر وتحديداً باب المندب، أرسلت واشنطن مبعوثها الخاص لدى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى الرياض ومسقط، في محاولة لثني صنعاء عن الاستمرار في توجيه صواريخها ومُسيّراتها إلى إسرائيل. وعاد المبعوث الأميركي، الذي وقف حجرَ عثرة أمام أيّ تقدّم في مسار السلام اليمني على مدى نحو عامين، ليقدّم مغريات لحركة «أنصار الله»، إلا أن الأخيرة ترى أن مسار الحلّ في اليمن لا علاقة له بموقفها القومي تجاه الشعب الفلسطيني، وهي تتعامل مع الجانب الأميركي كخصم وليس راعي سلام، لأن واشنطن لم تغيّر موقفها الداعم لجرائم الاحتلال، حتى تستعيد ثقة المنطقة بها.
وعلى الصعيد العسكري، يبدو أن القوات الأميركية المتواجدة في البحر الأحمر وفي المياه الدولية بالقرب من مضيق باب المندب، لن تتخلّى عن حماية إسرائيل، وهو ما قد يجرّ المنطقة إلى صراع كبير سيبدأ من المضيق هذه المرّة.
ولعلّ هذا ما تظهره حالة الاستنفار الأميركي في البحر الأحمر وباب المندب، عقب إعلان قوات صنعاء إغلاق المضيق أمام السفن الإسرائيلية والبدء بتعقّب تحرّكات سفن العدو العسكرية والتجارية، ولا سيما بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية تصدّي المدمّرة «هادنر» لطائرة مُسيّرة انطلقت من اليمن، وكانت تحلّق في اتجاهها. وقالت الوزارة إن المدمّرة أسقطت الطائرة بعدما اقتربت كثيراً منها، من دون أن يسفر ذلك عن أيّ إصابات في صفوف القوات الأميركية. ولمّح نائب مدير التوجيه المعنوي لقوات صنعاء، العميد عبدالله بن عامر، إلى أن الطائرة التي تحدّثت واشنطن عن إسقاطها، «قد تكون رسالة خطيرة. وعلى الجانب الأميركي أن يقرأ الرسالة بشكل جيد». وأشار، في منشور على منصّة «إكس»، إلى أن «الحديث الأميركي يؤكد جدية اليمن في إجراءاته العسكرية الداعمة للشعب الفلسطيني والمقاومة الباسلة في قطاع غزة». وتابع أن «كلّ الاحتمالات في البحر الأحمر واردة، ولا سيما أن أصدقاء إسرائيل في المنطقة والعالم، قد يتولّون مهمّة حماية السفن الإسرائيلية»، محذّراً من «خطورة محاولات كسر ما يفرضه الجانب اليمني بشأن منع سفن العدو من المرور من مضيق باب المندب»، خاصة أن قرار صنعاء كان علنياً وأكّد أن كلّ سفن إسرائيل أهداف مشروعة لقواتها.
تؤكد صنعاء أن مسار السلام في اليمن لا علاقة له بموقفها تجاه الشعب الفلسطيني
من جهتها، رجّحت مصادر يمنية، في حديث إلى «الأخبار»، أن الطائرة التي أعلن الجانب الأميركي إسقاطها قد تكون استطلاعية في مهمّة بحث عن سفن إسرائيلية في البحر الأحمر وفي المياه الدولية بالقرب من باب المندب. وأشارت إلى أن إعلان «البنتاغون» إسقاط المُسيّرة، جاء بعد أقل من 24 ساعة على التهديد بالردّ على إسقاط مُسيّرة أميركية من طراز «MQ9»، الأسبوع الماضي، أثناء قيامها بأعمال عدائية في أجواء المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، ضمن الدعم العسكري الأميركي للعدو. ويقول مراقبون إن حديث واشنطن عن «حقّ الردّ»، جاء بعد إعلان صنعاء توسيع عملياتها ضدّ الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما يؤكد أن الولايات المتحدة ستدخل على خط الصراع بهدف حماية حليفتها، إسرائيل.
وعلمت «الأخبار»، من أكثر من مصدر، أن ثمّة توتراً عسكرياً كبيراً يسود بالقرب من مضيق باب المندب، بعد انتشار قوات صنعاء البحرية، والتي تعيش حالة استنفار وتأهب لمواجهة أيّ طارئ بمساندة القوات الجوية، بالإضافة إلى تنفيذ توجيهات القيادة بمهاجمة أيّ سفينة إسرائيلية. وفي المقابل، تفيد المصادر بأن قوات يقودها طارق صالح الموالي للإمارات والمقرّب من الولايات المتحدة، قامت بإعادة الانتشار في المياه المحلية والإقليمية الواقعة في نطاق سيطرتها على الساحل الغربي، في وقت تعيش فيه القوات الأميركية في جزيرة ميون اليمنية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الوضع نفسه، وكذلك السفن الحربية الأميركية في المنطقة. وتقول المصادر إن حالة التوتر هذه تنذر بتفجّر الأوضاع عسكرياً بالقرب من خطوط الملاحة الدولية، وهو ما قد يتسبّب بإغلاق المضيق.
ويذكّر اللواء في القوات الجوية اليمنية، عبدالله الجفري، بدوره، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «القوات البحرية اليمنية تولّت حماية خطوط التجارة العالمية في البحر الأحمر وباب المندب خلال سنوات العدوان والحصار، ولا تزال صمّام أمان الملاحة الدولية في المضيق، إلا أن التحركات الأميركية وتلك التي تقوم بها الميليشيات الموالية للإمارات قد تقود الأوضاع في أهمّ المضائق الدولية إلى حالة حرب». ويشير الجفري إلى أن «اتفاقية أعالي البحار تمنح الدول المشاطئة 12 ميلاً بحرياً، ومن حيث المبدأ، يُفترض أن تكون حماية باب المندب من ضمن مهام القوات اليمنية. ولا يحق لأيّ قوات أخرى التواجد فيه».
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية