إن تناول حقيقة الخُبث والمكر اليهودي، وكيف استطاعوا من تغيير وقلب عداوة النصارى لهم إلى صداقة وتعاون، يتطلب توضيح بعض المفاهيم التي تكاد تكون ضرورية لكي يستوعب القارئ حقيقة الخبث والمكر اليهودي، ومن أجل فهم جذور العداء بين اليهود والنصارى والوقوف على دور اليهود في تحويل هذه العداوة إلى صداقة.
ولا يمكننا تناول حقيقة الخُبث والمكر اليهودي وسعيهم لتطويع النصارى لمصلحتهم بمعزل عن بعض التحولات الكبرى التي شهدتها أوروبا في مطلع القرن السادس عشر، والانشقاق الديني والسياسي الكبير بين معتنقي الكاثوليكية المسيحية، والخروج على الباباوية والذي مهد الطريق لظهور التيار البروتستانتي وثورته على الكنيسة في تلك الحقبة.
كيف انقلبت العداوة إلى صداقة وتعاون؟
لقد علمنا مُسبقاً أن العلاقة بين اليهود والنصارى كانت فيما مضى علاقة عِداء وصراع وانتقام متبادل، فما الذي تغير حتى أصبحنا نرى كثيراً من النصارى اليوم (وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا…الخ) يتعاونون مع اليهود، ويمدوهم بمختلف المساعدات المتنوعة، ويمكنوهم من الاستيلاء على فلسطين واحتلالها كما هو مشاهد؟!
فكيف
انقلبت
العداوة
إلى
صداقة
وتعاون،
بعد
إن
كان
اليهود
في
نظر
المسيحيين
مارقين
مفسدين
يجب
استئصالهم
واضطهادهم؟
!
إزاء هذه العداوة الشديدة والعنيفة، خصوصاً وأن اليهود يزعمون أنهم “شعب الله المختار”، فقد فكر اليهود جديًّا بالتخلص من تلك العداوة التي تقف أمام كثير من مخططاتهم، خصوصاً وأن أوروبا كانت تعاني من الطغيان الكنيسي بكافة ألوانه، وبفعل مكرهم العظيم فقد سلكوا في ذلك خطوات عديدة منها: تظاهر كثيرٍ من حاخاماتهم وعلمائهم بالدخول في النصرانية، وإحداث الثورات ضد الكنيسة، أو استغلالها إذا قام بها غيرهم، ومن ذلك ما قام به «مارتن لوثر» ضد الكنيسة الغربية الكاثوليكية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وإنشاء المنظمات السرية كالصهيونية، والماسونية وغيرها التي كانت ترفع شعارات الحرية والإخاء والمساواة.
وعندما ظهر المذهب البروتستانتي على يد «مارتن لوثر»، في القرن السادس عشر قلب الأمور رأساً على عقب، وقد حصل اليهود على نتائج مهمة، واستغلوا الفرصة التي أتاحها لهم الثورة ضد الكنيسة التي قام بها «مارتن لوثر»، ومن تلك النتائج التي حقَّقها اليهود من وراء مخططاتهم: كسر حدة العِداء لليهود عند الأوربيين، وتمكن اليهود من إحياء التحالف اليهودي النصراني مرة أخرى ضد الإسلام.
وبلغت الخطة ذروة التوحد بعد قرار المجمع الماسوني الذي ينص على تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، والذي كان يهدف إلى محو كل أثر عدائي مسيحي لليهود، وبالتالي إيجاد كتلة يهودية نصرانية واحدة لمجابهة الإسلام.
وفي هذا الصدد، يقول الشهيد القائد:
“فنحن نسمع اليوم من يقولون عن اليهود: إن الذي جعل اليهود على هذا النحو: يتعاملون مع الأمة بهذه القسوة هو ثقافتهم، تأثر بثقافتهم، تلك الثقافة التي عمرها قرون طويلة قد لا تقل عن ثلاثة آلاف سنة.
فعندما تسمع محللين من هذا النوع يقولون لك: إن تلك الثقافة قبل قرون من الزمن هي التي جعلت اليهود على هذا النحو في نظرتهم للبشرية، في تعاملهم مع الأمم، في انزوائهم على أنفسهم بأرواح شريرة، بقسوة بالغة، بنظرة ملؤها الحقد والكراهية للبشرية، وبالذات للمسلمين إنما ذلك نتيجة انحراف حدث قبل قرون.
لأن ما هم عليه الآن ليس امتداداً لشريعة موسى في أصلها، في جوهرها، في حقيقتها، ولا تطبيقاً لشريعة عيسى بالنسبة للمسيحيين في أصلها، وجوهرها، وحقيقتها، وما تدعو إليه، لا يمكن لدين من أديان الله سبحانه وتعالى أن يكون أثره في أمة من الأمم على هذا النحو الذي نرى عليه اليهود اليوم، على هذا النحو الذي نرى عليه النصارى اليوم.
إذاً فالكل متفقون، بل لقد سمعنا بعض المحللين من قساوسة المسيحيين يقول: إنما جعل المسيحيين على هذا النحو هو تأثر بثقافة يهودية اخترقت صفوف المسيحيين. فقال: [لدينا مسيحيين يهود، وأنتم عندكم – قال – مسلمين يهود، لكنكم لا تجرءون على أن تقولوا هذا، فكما لدينا مسيحيين يهود أنتم لديكم أيضاً مسلمين يهود].
لأن اليهود اشتغلوا عملوا في الخطين: داخل المسيحيين من قبل, وداخل هذه الأمة وما زالوا يعملون على هذا النحو إلى اليوم”.
ويبين الشهيد القائد بالقول:
“…لكن اليهود عندهم خبرة، عندهم خبرة مئات السنين من قبل جربوا مع المسيحيين، ومن قبل عندهم خبرات في مسألة التحريف، مسألة التضليل، كيف يقدم بشكل مصبوغ بصبغة دينية”.
الهوامش:
-
السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، ذكرى استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، 1423هـ.
-
السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، مديح القرآن، الدرس الثاني، 2003م.
-
سليمان بن صالح الخراشي، كيـف تطورت العلاقة بين اليهود والنصارى من عداوة إلى صداقة…؟!، روافد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1430هـ-2009م.
*نقلا عن : موقع أنصار الله