إنها غزة، بنت التحولات الكبرى، ومبعث العزم والقوة والإرادة والاختيار، فكل ما يأتينا اليوم من مشاهد موحية بحجم المظلومية الواقعة على سكانها الأحرار؛ سوف تكون ذات أثر مكين في الواقع، بالمستوى الذي سيغلق الباب أمام المذبذبين والمتأرجحين، والذين يقفون موقف الحياد من كل ما يجري، فزمن التردد والعشوائية والتخبط والعبث قد ولى بلا رجعة، بفضل عطاء الدم الفلسطيني، وباتت بوصلة القرار معلومة لكل ذي لب ونفس سوية وفطرة سليمة.
إنه زمن الحسم الذي لا مجال فيه للتلاعب السخيف بعقول الناس ومشاعرهم ومصيرهم، ولا سبيل لقبول الأعذار والمبررات الواهنة الواهية من أي كان، فكل مقاربة أو قياس أو استنتاج لما جرى ويجري من أحداث مهولة، وقتل ممنهج للفلسطيني، والعمل على محو وجوده وتاريخه دون وجه حق؛ كفيلٌ بما لا يدع مجالاً للشك في تحديد الظالم والمظلوم، وبيان المحق والمبطل، وذاك ما سوف يستقر في ذهن الملايين من أبناء الشعوب الحرة، ويدفعهم للتحرك أكثر لإيقاف المذابح الأمريكية البريطانية الفرنسية الصهيونية التي تُرتكب بحق أبناء غزة ليل نهار.
لقد أعادت فلسطين عموماً وغزة خصوصاً الاعتبار لإنسانية الإنسان، إذ إن هواجس الخوف من تبلد واختفاء الأحاسيس والمشاعر الإنسانية التي طغت على العصر، بفعل الحياة المادية التي حولت الإنسان إلى كائن مجرد من كل معاني الإنسانية، ليصبح أقرب ما يكون إلى روبوت أو آلة صماء، لا تملك حق تقرير المصير، ولا دخل لها بما يجري من أحداث، ولا علاقة لها بالإنسان والإنسانية لا من قريب ولا من بعيد؛ قد تلاشت واختفت تماماً من الواقع العالمي برمته وتلك هي البداية الفعلية لإيجاد التغيير والتغير الشاملين لفكر وثقافة وواقع البشرية، واللذين كانت غزة هي المحطة التي انطلقا منها، والقيمة المضافة التي يتم البناء عليها، والزاد الذي يحتاج إليه الإنسان، لكي يستأنف رحلته التي لا بد منها، لكي يسترد ما ضاع منه من كرامة وشرف وضمير ومبادئ وقيم وأخلاق وروح ومشاعر وأحاسيس وكينونة.
نعم إن غزة سوف تغير العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهذا التغيير قد بدأنا نلمس آثاره ونتائجه في كل شيء، وسوف تظهر هذه الآثار والنتائج أكثر فأكثر حتى تشمل الوجود البشري كله، وما ذلك على الله بعزيز.
إن ما بات يعتمل بدواخل المجتمعات والشعوب هو أقوى وأضخم من أنْ يحاط به من قبل الدجالين وإعلامهم المدجن، الذي يحابي اليهود والاستكبار، ويتماشى مع مخططاتهم، ويبرر جرائمهم، وحتى جهود ذلك الإعلام الأعرابي الغربي المتصهين التي كانت تهدف إلى برمجة العقول بحسب ما تشتهي وتختار الولايات المتحدة الإجرامية؛ قد فشلت، وذهبت أدراج الرياح، لا لشيء إلا لأن حجم ما يجري في غزة كفيلٌ باستعادة الذهنية العامة لبني البشر، ومدها بالحقيقة التي سوف تمكنها من إزاحة كل الغشاوات والأصنام التي سطت على فكرها ووجدانها، وجعلتها بمستوى القطيع من الأغنام، وغداً سوف تحرق نار غزة كل أنظمة العار والجور في كل أنحاء المعمورة، وتهب الشعوب والمجتمعات قبسا من نور الحق والحقيقة، فينعم العالم وقتئذٍ بالسمو والأمن والسلام، ويصبح الكون خالياً من الشر الأمريكي الغربي والإجرام والفساد اليهودي الصهيوني.
* نقلا عن : لا ميديا