ربما كان الأميركيون في بداية تدخل المقاومة العراقية ضد قواعدهم في سوريا والعراق، يعتبرون أن فعالية هذه الاستهدافات لن تكون كافية لخلق أي تأثير عسكري جدي في الحرب الحالية بشكل عام، وأن النشاط العسكري لهذه المقاومة ضد قواعدهم في سوريا أو في العراق سيتلاشى مع الوقت، وأن امكانياتها لن تكون قادرة على متابعة هذه الهجمات الصاروخية أو المسيّرة، وأن حدود نتائج هذه الاستهدافات لقواعدهم لن تتجاوز البعد الإعلامي والسياسي، والمتعلق - لا أكثر ولا أقل - بتسجيل موقف مع المقاومة الفلسطينية ومع ايران وحزب الله في لبنان، تحت عنوان ربط وقف هذه الاستهدافات بوقف العدوان على غزة.
مع الوقت، بدأ الأميركيون يكتشفون أن قدرة المقاومة العراقية على استهداف قواعدهم تتطور وتتفاعل أكثر وأكثر، وأن هذه المقاومة بدأت تكشف عن أسلحة نوعية - صواريخ أو مسيّرات - لم تكن أجهزتهم الاستخبارية والاستعلامية على علم بها، ولاحقًا، بعد فترة قصيرة من انطلاق الحرب على غزة، اكتشف الأميركيون أن مناورة هذه المقاومة ضد قواعدهم في العراق وسوريا أصبحت فعالة وخطيرة، وذلك بعد أن بدأت هذه القواعد تتلقى الضربات الصاروخية والمسيّرة بشكل متواصل، وبمستوى غير بسيط من التأثير، وبدأ الأميركيون يلمسون فعليًا خطورة هذه الاستهدافات، بعد أن اكتشفوا عمليًا أن قدراتهم في الدفاع الجوي تعجز عن حماية هذه القواعد، وأن مستوى قدرات المقاومة العراقية لناحية الفعالية والدقة والسرعة يحتاج لخطة حماية واسعة ولمناورة دفاع جوي فعالة ومتعددة الوسائط وعلى مستوى كبير، لا يقل أبدًا عن مستوى ما تحتاجه أي مناورة دفاع جوي ضد جيوش متطورة مثل الروس أو الصينيين أو الايرانيين.
بعد أن أصبح الأميركيون مرغمين على اتخاذ اجراءات أكثر فعالية لصد هجمات المقاومة العراقية وحماية قواعدهم من استهدافاتها المؤثرة، عمدوا إلى وضع خطة عمليات قامت على التالي:
أولًا: تعزيز نظام الدفاع الجوي لكل قواعدهم في سوريا والعراق وفي الخليج أيضًا، حيث قواعدهم الأخيرة (في الخليج) هي عمليًا غير بعيدة عن العمق العراقي وفي متناول مدى صواريخ ومسيّرات المقاومة العراقية، تمامًا مثلما هي قواعدهم في سوريا، والتي هي في دائرة الاستهداف بشكل كامل، الأمر الذي تطلب منهم وضع جهود ضخمة في جلب منظومات دفاع جوي أكثر تطورًا، وفي زيادة عديدها في المنطقة بعد أن كانوا في المرحلة الأخيرة قبل طوفان الأقصى قد خففوا منها بنسبة كبيرة لمصلحة استراتيجيتهم البعيدة ضد الروس في أوكرانيا وشرق أوروبا، أو ضد الصين في شرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادي.
ثانيًا: تم اتخاذ قرار وتنفيذه مباشرة بالاعتداء الجوي والصاروخي على عدة مواقع للمقاومة العراقية في أكثر من منطقة، توزعت بين شرق وجنوب بغداد وتم استهداف مقرات تابعة للحشد الشعبي في محافظتي بابل والأنبار وسط العراق وفي منطقة جرف الصخر جنوب بغداد، بالاضافة لاستهداف مواقع للمقاومة العراقية في مناطق حدودية مع سوريا وداخلها، بين القائم والبوكمال.
بمواجهة هذه المناورة الأميركية المزدوجة، لناحية تفعيل منظومة الحماية والدفاع الجوي والاعتداء على مواقع للمقاومة العراقية، وبدل أن تتراجع الأخيرة في استهدافاتها، كما اعتقد الأميركيون، طورت من مناورتها في الضغط على الأميركيين والصهاينة بهدف وقف العدوان على غزة، وأيضًا من خلال مناورة مضادة قامت على التالي:
أولًا: رفعت من مستوى استهدافاتها للقواعد الأميركية في العراق وفي سوريا، بإدخال نماذج جديدة من الصواريخ الدقيقة والسريعة والفعالة، وكان منها على سبيل المثال، الاستهداف الصاروخي الأخير لقاعدة عين الأسد، والذي نجح في استهدافها بعشرة صواريخ باليستية حديثة، من غير الواضح ما هي أنواعها، انفجرت داخل القاعدة محدثة دمارًا كبيرًا وموقعة عددًا غير بسيط من الإصابات المؤكدة، كالعادة، لم يعترف الأميركيون بحقيقتها.
ثانيًا: وسّعت المقاومة العراقية من دائرة استهدافاتها، لتنقلها إلى داخل كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة، وبصواريخ مجنحة من نوع "أرقب" وبغيرها أيضًا، وبمسيّرات فعالة وبعيدة المدى، بدأت تستهدف مواقع للعدو الإسرائيلي في محيط حيفا على المتوسط وفي عمق الجولان السوري المحتل، وعلى مسافات تتراوح من داخل العراق لناحية حدوده الجنوبية الغربية مع سوريا، بين ألف وألف وخمسماية كلم تقريبًا.
من هنا، أصبح واضحًا أن الأميركيين فشلوا في مواجهة مناورة المقاومة العراقية ضد قواعدهم وضد مواقع الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، إذ إنه مع رفع مستوى الضغط عليها والإعتداء على مراكزها في العراق، طورت المقاومة من مستوى استهدافاتها داخل سوريا والعراق من جهة، وداخل كيان الاحتلال من جهة ثانية.
كما دخلت واشنطن مع حلفائها في مواجهة غير سهلة ضد المقاومة اليمنية في البحر الأحمر وبحر العرب وفي باب المندب وخليج عدن، ومن غير الواضح لهم كيف يمكن أن تنتهي، ويبدو أنها دخلت أيضًا ضد المقاومة العراقية بين سوريا والعراق والأراضي المحتلة في فلسطين، في مواجهة حساسة وخطيرة، قد تكون تأثيراتها الفعلية حاسمة في إرغامهم مع الصهاينة على وقف عدوانهم على غزة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري