لم يكن استهداف حزب الله مستعمرة "الكوش" في الجليل الغربي المحتل العملية الأولى في مسار العمليات النوعية المركبة، وذلك عبر إدخال المسيّرات الانقضاضية والصواريخ المدمرة أو الموجهة، ولكن مع أهمية وحساسية هذه العملية، ومع خطورتها أيضًا لناحية عدد الإصابات التي سقطت للعدو بين جنوده (أكثر من عشرين إصابة مؤكدة بين قتيل وجريح)، يمكن القول إنها ستشكّل نقطة مفصلية في الاشتباك الاستثنائي الذي تخوضه المقاومة على جبهة الكيان الشمالية، إسنادًا لغزّة وللشعب الفلسطيني.
هذا المسار من العمليات النوعية والذي أطلقته المقاومة الإسلامية في لبنان منذ فترة، يمكن تمييزه بكونه نموذجًا متصاعدًا من التدخل القتالي المتطور على درجات ومستويات لافتة، كالآتي:
أولًا، بنوعية وبقدرة الأسلحة المستعملة من المسيّرات الانقضاضية والصواريخ الموجّهة، والتي تفرض نفسها يومًا بعد يوم، ذراعًا ضاربًا لا يمكن توقيفه أو مواجهته.
ثانيًا، تحضير واختيار الأهداف عبر إحاطة استعلامية شاملة وواسعة ومتواصلة، وخاصة لكل مركز أو موقع مستحدث، حتّى لو كان استحداثه فوريًا.
ثالثًا، بتوسيع جغرافيّة التدخل في عمق الكيان جنوبًا، مع إجراء مسح للمواقع العسكرية العدوة كافة، من البحر غربًا وحتّى تخوم جبل الشيخ وأعالي جبال الجولان المحتل شرقًا.
عمليًا، أية مواجهة واسعة مرتقبة بين حزب الله وكيان الاحتلال، يمكن بالتحليل استنتاج أنها ستحمل داخل جغرافيا فلسطين المحتلة، واستنادًا لبنك أهداف مخطّط مسبقًا، المناورات أو العمليات الآتية:
- استهداف كلّ القواعد والمنشآت العسكرية الإسرائيلية الحدودية مع لبنان والبعيدة وسطًا وجنوبًا.
- استهداف الأهم من بين المنشآت المدنية أو تلك ذات الطابع الإستراتيجي، مثل المطارات والمرافىء ومنشآت الطاقة والمياه ومحطات النقل العامة إلى ما هنالك من منشآت عامة ذات أهمية اقتصادية وحيوية للكيان.
من هنا، ومن خلال الإضاءة على ظروف ومعطيات عملية المقاومة أمس في "الكوش"، لناحية عجز العدوّ الواضح عن منع حصولها عبر منظومات الحماية والدفاع الجوي المتعددة النماذج والإمكانيات، وأيضًا لناحية عجز القاذفات أف ١٥ وأف ١٦ وأف ٣٥ عن أن تكون بديلًا لهذه المنظومات دفاعًا عن قواعد العدوّ من مسيّرات حزب الله الانقضاضية القاتلة، ومن خلال اعتبار العملية أنها ستكون مرحلة أولى وأساسية واجبارية عند أية مواجهة واسعة مرتقبة، يمكن القول انطلاقًا من كلّ ذلك، إن إحدى رسائل حزب الله من عمليته في "الكوش"، هي إظهار إحدى صور المواجهة الواسعة في ما لو تطوّر الاشتباك الحالي مع العدو، والرسالة الأخرى من العملية أيضًا، أنه أظهر للعدو كيف يمكن أن يكون مستوى قدرته في مواجهة الموجات الأوسع من هذه القدرات النوعية، وأيضًا في ما لو ترافقت - الأمر الذي سيحصل حكمًا - مع مناورة استهداف واسعة لكامل وسط وعمق الكيان بصواريخ دقيقة، لدى العدوّ معلومات شبه تفصيلية عن قدراتها وعن خطورتها.
فهل يتلقف العدوّ رسائل عملية "الكوش" ويعمل على تلافيها من خلال تسهيل اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس؟
أم أنه سوف يتابع في غزّة الهروب نحو الأمام، والسير في مغامرة مكلفة لن تكون تداعياتها بسيطة؟
الأرجح أن تكون صور عملية "الكوش" ورسائلها حاسمةً نحو دفعه للقبول بالتسوية وإنهاء عدوانه بأقل خسائر ممكنة حتّى الآن.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري