يهدد الكيان الصهيوني باقتحام مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية، وأعطى نتنياهو مؤخرا جيش الاحتلال الأمر بالتحشيد العسكري والاستعدادات للعملية رغم المخاوف الإقليمية الدولية من تداعياتها الإنسانية والأمنية في المنطقة، إذ من شأنها أن توقع مجازر جماعية وتهجيرا لسكان المدينة وغالبيتهم نازحون من شمال قطاع غزة والسيطرة على الحدود وبالتالي منعهم من العودة كسائر اللاجئين الذين هُجروا عام 1948. وتزيد من توسعة رقعة الحرب والتصعيد في المنطقة عموماً.
تهجير الفلسطينيين إلى خارج الأراضي المحتلة إلى سيناء مصر كان هدفاً معلناً منذ أول الحرب، أما الحديث الصهيوني عن «سحق المقاومة» في رفح -إذ تعتبر المنطقة أحد مراكز المقاومة المهمة- غير واقعي إذ سبق أن فشلوا في تحقيق هذا الهدف جنوب ووسط القطاع، لكن هذا الأمر لا يمنعهم من المحاولة مادام الدعم العسكري الأمريكي متواصلاً.
بحسب التصريحات الواردة في الإعلام الصهيوني، ستكون هناك خيارات:
الخيار الأول: أن يتم إجلاء الفلسطينيين إلى الشمال الذي يطالب الاحتلال بأن يكون منطقة عازلة.
الخيار الثاني: أن يتم إجلاؤهم إلى منطقة المواصي الممتدة في غرب خان يونس وأطراف رفح.
الخيار الثالث: يتمثل في ترحيلهم إلى سيناء المصرية.
السياسة الاستراتيجية الإسرائيلية هي في تهجير سكان غزة إلى سيناء وتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وعلى هذا الأساس بُنيت فرضية «صفقة القرن» التي أبرمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومع تلويح مصر بتعليق «اتفاقية كامب ديفيد» حال إقدام الكيان الصهيوني على تنفيذ عملية عسكرية في رفح، فإن جيش الاحتلال ربما يحاول احتلال محور صلاح الدين «فيلادلفيا» لإطباق الحصار على غزة بشكل تام.
العملية العسكرية الصهيونية المرتقبة في رفح جنوبي قطاع غزة ستكون ممكنة التنفيذ في حالة وجود ضوء أخضر أمريكي ومصري. على الأرجح فإن الضوء الأخضر الأمريكي بات مضموناً للصهاينة رغم التصريحات الأمريكية الخادعة، ويتبقى الموقف المصري، باعتبار مصر سوف تكون المتضرر الأكبر بخسارتها الأرض ودخول تنظيمات عسكرية إلى أرضها وتحول سيناء إلى جغرافيا مواجهة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، وكذلك تعزز قوة الإخوان المسلمين المصريين بدخول جماهير فلسطينية مسلحة تؤيد حركة حماس. فمصر ترفض تهجير سكان القطاع وتهدد بتعليق اتفاقية «كامب ديفيد» مع الكيان الصهيوني، وحشدت قوات عسكرية نحو سيناء، وقانونيا سيعد التصعيد في محور صلاح الدين تجاوزا للاتفاقية الأمنية المصرية -الصهيونية حول الوضع في «فيلادلفيا»، إلا أنه من غير المعروف إلى أي مدى سيصمد الموقف المصري الراهن.
بخلاف عملية الاجتياح في خان يونس، والفاشلة عسكرياً، فإن هذه العملية ستكون ناجحة من حيث كون أحد أهدافها يتمثل في إرهاب المدنيين وتهجيرهم وليس هزيمة المقاومة الفلسطينية.
أما محور صلاح الدين «فيلادلفيا» فالسيطرة العسكرية عليه ممكنة نظرياً وقد تصمد المقاومة وتحول دون ذلك فهي رهن بظروف الميدان، وهذه السيطرة مهمة بالنسبة للصهيوني لضمان عدم عودة من سوف يتم تهجيرهم إلى سيناء.
من غير المستبعد أن يكون التلويح والتهديد الصهيوني ورقة ضغط على المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات وضغطا على الوسيط المصري ليضغط بدوره على الفلسطينيين.
وفي كل الأحوال فإن نتنياهو يسعى إلى الخلاص الفردي والحزبي، وبالتالى فهو لا يُفكر بعقلانية، وقد يقدم على أي خيارات، وإن كانت غير مضمونة، وهو في حالة خلاف مع قيادة أركان الجيش الصهيوني في الوقت الراهن.
عملية بهذا الحجم، سوف تزيد من التوتر في المنطقة وتوسع رقعة الحرب في البحر الأحمر والعراق ولبنان، وفي ظروف معينة قد تتعقد العلاقة المصرية -الصهيونية ويجري تعليق «اتفاقية كامب ديفيد» ويجعل من الصدام المصري الصهيوني ممكناً، إلا أن هذا السيناريو لايزال بعيداً وفقاً للمعطيات الراهنة.
* نقلا عن : لا ميديا