في السابق كان يوجد ما تسمى «اللجنة الخاصة»، وكان أعضاء اللجنة وهم مشايخ وأعيان وقادة ومسؤولون، يستلمون مرتبات شهرية من السعودية، وهذه المبالغ لم تكن بدون مقابل، بل إنه ليس بمقابل عادي لا يضر بالوطن أو حتى ضرره بسيط، فقد كان المطلوب منهم تنفيذ أجندة قاتلة ومدمرة لليمن وتسببت للشعب بالفقر والمعاناة والألم، وأهم طلبات السعودية وأسيادها عبر الوالي السعودي وبناء على توجيهاته لحديقته الخلفية آنذاك كانت:
1. إلغاء أي توجه للاستكشافات النفطية والغازية الجديدة وبالذات في تهامة والمناطق الحدودية البرية والبحرية.
2. عدم التطرق فعلا وقولا لموضوع الحدود اليمنية السعودية وترك المجال للسعودية باقتضام مساحات شاسعة في الربع الخالي وفي مواضع أخرى بين الفينة والأخرى إلى أن تم تثبيت كل حالات الاقتضام السعودي للأراضي اليمنية بموجب معاهدة جدة للحدود، بل ومن خلالها تم شرعنة بقاء جيزان ونجران وعسير تحت سلطة السعودية (وحاليا هناك إمكانية كبيرة لإلغاء المعاهدة بشكل قانوني).
3. إحباط العباقرة والمفكرين والمبدعين والمميزين وحصر مصيرهم ما بين مجنون أو مريض نفسيا أو مخفي قسرا أو مهاجر مغترب أو متوفى قهرا.
4. إعاقات في إطار الاكتفاء الذاتي الزراعي وأخرى في المجال التصنيعي وإعاقات كبيرة في الجانب الاستثماري لنستمر في حالة عوز واحتياج دائم للغذاء والدواء والأساسيات.
5. إلغاء وعرقلة كل مشاريع الاستفادة من مياه الأمطار في كل المحافظات، وعدم استخدام المياه الخاصة بأكبر مخزون مائي في «الشرق الأوسط» وهو «بحيرة العرب» الموجودة في محافظة الجوف وترك المجال للسعودية باستخراج تلك المياه عبر 16 محطة موجودة خلف السياج الحدودي في شمال محافظة الجوف بعد أن اقتربت السعودية بشكل مثلث وفي رأس ذلك المثلث توجد المحطات التي تنهب المياه الجوفية.
6. عدم البحث والاستكشاف عن الآثار اليمنية، وإذا تم اكتشاف أي منها بالصدفة يتم تهريبها إلى الخارج وبيعها (طمس حضارات ضاربة بالتاريخ).
7. عدم استكشاف الثروات المعدنية وتشديدات بهذا الشأن أكثر مما تم بخصوص الثروات النفطية والغازية.
وهناك نقاط أخرى وجميعها تم الاتفاق عليها حرفيا بشكل غير معلن بعد 2011 كتعهد للقوى الصاعدة بألا يحيلوا ولا يميلوا عما كان يتم أيام «عفاش وحاشيته»، بل إن البديل «الإخواني الدنبوعي» استعدوا لتقديم المزيد من الخنوع والخضوع والخيانة ورفع سقف التبعية للحد الأعلى للسعودية والإمارات ومن خلفهما أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وفرنسا والتحالف الغربي الذي لطالما استنزف ثروات اليمن وسيطر على أهم مواقعه.
ولهذا لم يحرك تحالف الشر والظلام ساكنا عند انتزاع الكرسي من عميلهم (عفاش)، لأنهم أولا ضمنوا استمرار بقاياه سواء على مستوى الثقافة العفاشية أو بعض الشخصيات وثانيا ضمنوا البديل (الإصلاح ومن إليهم والدنبوع ومن معه).
ولهذا لم يكن للأنصار وجود في «حكومة الوفاق» فهم ليسوا طرفا موافقا على بنود الاتفاقية غير المعلنة التي سبقت المبادرة الخليجية المزمنة.
وبمجرد احتجاز الدنبوع لأسباب موضوعية خلاصتها أنه كان يتخذ قرارات ويسير في إجراءات كارثية تقود الوطن إلى الخراب، بالإضافة إلى عدم تنفيذ أي من النقاط التصحيحية المذكورة في المبادرة الخليجية، وتنفيذ دقيق وحرفي لبرنامج تدميري (عسكري ومؤسسي ومجتمعي) واستمرار التبعية المجحفة والمنهكة للمواطن والمدمرة للوطن.
وما إن وصل الأنصار صنعاء حتى جن جنون تحالف الشر، لأن السلطة ستذهب لقوم لا يساومون في السيادة ولا يمكن شراؤهم وليس في قاموسهم السعي وراء الثروة والسلطة (أتحدث هنا عن مخلصي الأنصار وعن المسيرة كمبادئ وأهداف وليس عن مزريي اليوم الذين يخدمون العدوان بشكل أو بآخر بقصد وبدون قصد).
اليوم وبعد تسعة أعوام من أبشع عدوان كوني شهدته البشرية بتنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أسمى وأعظم الأهداف وهي إلغاء التبعية ونيل التحرر والاستقلال والحفاظ على السيادة اليمنية الكاملة والوصول إلى سلام عادل ومشرف.
لكن العدو لا يكتفي بالمواجهة العسكرية لاسيما في ظل عدم امتلاكه لبنك أهداف مؤثر وذلك بسبب عدم تمكنه من الحصول على معلومات دقيقة بمواقع مخازن السلاح وورش التصنيع، ونجاح الأمن الداخلي في كشف وفضح الخلايا الخادمة للعدوان.
حتى المجاهدون في الجبهات هم أيضا هدف صعب المنال كونهم غير محصورين في معسكرات معينة ومحددة ولا يجتمعون بأعداد كبيرة، وإنما مجاميع صغيرة جدا ومواقعهم متغيرة باستمرار، بالإضافة إلى أن كل ضربة عسكرية حتى وإن كانت لحفظ ماء وجه أمريكا وتحالفها الظلامي يقابلها التفاف شعبي واسع، بل والتفاف عالمي من كل أحرار العالم، وهذا مآلاته ليست فقط إفشال مخطط العدو في تفكيك المجتمع اليمني وإثارة السخط الشعبي، وإنما أيضا يؤدي إلى توسيع دائرة التأييد للأنصار داخليا وخارجيا، كما أن الضربات الأمريكية البريطانية تواجه بالرد الموجع وبشكل تصاعدي، ولهذا ولأسباب أخرى، بات العدو يستخدم طرقا مختلفة لتدميرنا من الداخل عبر استراتيجية «التدمير الذاتي».
معركة التغييرات الجذرية (التصحيح)
معركة الكفاءات ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب هي معركة لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، بل إن مآلات استمرار وتفاقم الفشل والفساد وكل الاختلالات الداخلية أكثر خطورة، لأنها تؤثر على المجتمع بشكل مباشر وذات ديمومة، والمؤلم أنها تتم عبر أياد داخلية. ومن المعروف أن الطعن في الظهر مؤثر جدا لأنه يأتي ممن لا نتوقع، وبالتالي لا يجب إطلاقاً خوض المعركة الكبرى بظهر مكشوف.
معركة تصحيح وضع المؤسسات بما يؤدي إلى تحسين الوضع المعيشي والخدمي من خلال اجتثاث الفاسدين والفاشلين ومحاسبتهم واستعادة الأموال المنهوبة وتمكين من يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والمهارات هي أهم معركة داخلية وهي ضمن إعداد العدة لمواجهة العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني، فالمعركة ليست عسكرية فقط ولدى العدو صواريخ وقنابل ذكية وأسلحة من نوع آخر يستخدمها في الغزو من الداخل والتدمير الذاتي، فكل فاسد أو فاشل أو خائن وكل من ينخر مؤسسات الدولة وينهك المواطن هو في حقيقة الأمر يخدم العدو.
لا تخذلوا السيد القائد ولا تعيدونا إلى زمن الهوان بعد كل التضحيات الجسيمة.
* نقلا عن : لا ميديا