لطيفة الحسيني*
يعمل حكّام الخليج المُطبّعون واللاحقون بخيارهم على إخضاع شعوبهم لـ"قاعدة دينية" تفصل الإسلام عن نُصرة فلسطين وأرض بيت المقدس وما يجري فيها. هي السياسة التي يجهدون من أجل تكريسها دستورًا ظنًّا منهم أن السواد الأعظم من الخليجيين سيضطرّون إلى السيْر بما يفرض عليهم.
يُدرك القاصي والداني في بقاع الأرض أن الدين في الخليج أداة سياسية تُحرّك وفق مصالح مجالس الحكم فيه وملوكه وأمرائه. يُمسي التساهل والاستخفاف بالمقدسات الدينية اليوم عقيدة يعتنقها اليوم حكام الخليج الذي حوّلوا دولهم إلى مراقص وملاهٍ ليلية ومراكز للترفيه. تتشابه الإمارات والسعودية إلى حدّ كبير في الهدف الذي تسعيان لتحقيقه: استنساخ تجربة "لاس فيغاس" أو "نيويورك" وتوفير أكبر مساحة لأماكن اللهو والسهر والغناء والسياحة الجغرافية. وعلى المنهج نفسه، تمشي البحرين التي تستقبل الفنانين والمُطربين الأجانب والعرب وتطرد قارئي القرآن الدوليين والرواديد وكلّ من تسوّل له نفسه إحياء شعيرة إسلامية.
المسألة في السعودية قد تكون الأكثر تأثيرًا. أرض الحرميْن الشريفيْن يُراد لها اليوم أن تكون فارغة من معاني الإسلام ورسالته في نصرة المظلوم وحقّه، والأخطر التحكّم بالمُعتمرين وحجّاج بيت الله الحرام. يخرج رئيس الشؤون الدينية في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن السديس ليضع خطوطًا حمراء في الحرم المكي: الشعارات السياسية. يحذّر المُعتمرين والحجاج من البعد الأمني في الحرمين ويدعوهم إلى الانصراف فقط للعبادة. يُطيل حديثه عن ذلك، وينبّه قاصدي مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة إلى ألّا تغلبهم الحماسة والعاطفة. كلّ هذا بسبب رفع علم فلسطين في الحرم المك، العلم الذي سرعان ما أنزله رجال الأمن.
تمنع السلطات السعودية التعاطف اليوم مع القضية الفلسطينية في أرض الرسول (ص). تسمح بالتعاطف مع قضايا أخرى سبق أن ثبت بالصور ومقاطع الفيديو نصرتها: "الثورة السورية" التي رفع علمها حجاجٌ على جبل عرفات إبّان الأحداث الأليمة في سورية، والهند التي رفع أحد الحجاج بالقرب من الكعبة المشرّفة علمها، على الرغم من الحرب التي تشنّها على المسلمين في حدود أراضيها.
"عليكم بالدعاء والتوجّه إلى الله"، يكرّرها السديس أكثر من مرة أثناء مخاطبته المُعتمرين والحجاج، من دون أن يحدّد سبب الدعاء وما الذي أصاب المسلمين لكي يستحقوا دعاءً يفرّج كُربتهم. في الخلاصة أن يدعو لفراغ من دون هدف واضح. تمامًا كما فعل ملك البحرين حمد بن عيسى عندما جَمَع أحفاده وتحدّث إليهم بصوتٍ خافتٍ جدًا طالبًا منهم أن يدعو لأطفال غزّة حصرًا، من دون أن يفكّ تطبيعه مع الإسرائيلي، وكأنهم يُقتلون ويُحاصرون ويُجّزر بهم بسبب رياحٍ عاتية وليس بسبب عدوّ شرس ومتوحّش.
الدين الفارغ من الهدف والمضمون والدعاء الأجوف هو الدين الجديد في منطقة الخليج الذي يعمل الملوك والأمراء على فرضه. يؤمر الفقهاء والمشايخ البارزون في الجزيرة العربية اليوم بتوجيه الشعوب حتّى تسير بسياسات الحكّام وما يُحلّلونه أو يحرّمونه. يحرّكون فتاويهم ويستحدثون بعضًا منها كي يخدموا فكرة الحاكم أو الملك: لا مكان لفلسطين في سياساتنا وأدعيتنا والأماكن الإسلامية المقدّسة.
بعد أن حدّد ابن تيمية، وهو من أكبر المراجع الدينية لدى الدولة السعودية، أحكام الصلاة في بيت المقدس والتعاطي معه، وبعد أن أفتى ابن باز، من كبار مشايخ السعودية ومُفتيها العام لسنوات، بواجب الجهاد في فلسطين وبأن أهلها من المظلومين من قبل اليهود الذي يجب إخراجهم بكلّ ما استطاعوا من قوّة، تنسلخ المملكة اليوم تمامًا عن قضية المسلمين الأولى وتُصنّفها على أنها مساس بأمن الحرميْن. لا ترحّب بمناصريها ومؤيّديها، بل تحتضن أهل الغناء والرقص والمجون، وتجلب لهم الخمور في أكثر بقاع الأرض قُدسيّة. على أيّ مذهب اذًا يمشي هؤلاء الحكّام؟ إسلامٌ بلا عقيدة، يُشرّع الباطل ونصرته مقابل إخماد كلّ صوت إسلامي ينادي بفلسطين وغزّة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري