رغم تمكّنها من إرباك القوات البحرية الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر خلال الأسابيع الفائتة، تتّجه صنعاء إلى تفعيل تكتيكات عملياتية مغايرة، بهدف فرض معادلات جديدة قد تتجاوز نطاق هذا البحر، في الأيام المقبلة. ويقول أكثر من مصدر عسكري في صنعاء، لـ«الأخبار»، إن «التحوّل العسكري الدراماتيكي المنتظر سيأتي متناسباً مع حجم المعركة»، موضحةً أن «القوات اليمنية لم تستخدم حتى الآن أيّ أسلحة استراتيجية»، وهو ما قد يتبدّل قريباً، مضيفة أن حديث قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير، عن تصاعد عملية تطوير الأسلحة البحرية، وارتفاع مستوى قدرات قواته العسكرية، يأتي في ذلك السياق. وتلمّح المصادر إلى أن السفن الإسرائيلية التي تمرّ في البحر المتوسط لن تكون آمنة في ظل امتلاك صنعاء أسلحة متطورة يتجاوز مداها الألفَي كيلومتر، مشيرة إلى أن «المرحلة العسكرية المقبلة مرحلة عمليات مفاجئة تفوق كل الحسابات العسكرية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية». وحول ما إذا كانت ثمة هجمات ستُنفّذ في العمق الإسرائيلي، تكتفي المصادر بالقول إن «البعض منها سيكون خارج حدود الجمهورية اليمنية، ولكن وفق بنك أهداف جديد وبعمليات صادمة ستغيّر مسار المعركة بنسبة كبيرة».يأتي ذلك تزامناً مع استمرار التصعيد العسكري المعادي في البحر الأحمر خلال الساعات الماضية، إذ أفادت مصادر أمنية في محافظة الحديدة، «الأخبار»، بأن طيران العدوان الأميركي - البريطاني كثّف، أمس، غاراته على عدد من المناطق الساحلية في المحافظة، ونفذ ست غارات جديدة على ثلاث دفعات استهدفت الصليف ورأس عيسى ومنطقة الجبانة شمال مطار الحديدة.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه القيادة المركزية الأميركية، في بيان، قيام قواتها باستهداف «ستة صواريخ كروز تابعة للحوثيين، وطائرة مسيّرة فوق البحر الأحمر»، قالت مصادر حقوقية في جنوب الحديدة إن الطيران الأميركي قصف قارب صيد تابعاً لأحد الصيادين من أبناء تهامة، بالقرب من جزيرة حنيش، ما أدى إلى استشهاد صياد وإصابة آخر. واتهمت المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، البحرية الأميركية بتعمّد استهداف الصيادين، وتحويل مناطق واسعة من البحر إلى مناطق عسكرية، بمشاركة قوات خفر السواحل الموالية للإمارات.
وفي الاتجاه نفسه، ذكرت مصادر عاملة في الصيد أن القوات الموالية للإمارات تعمل على مساندة البحريتين الأميركية والبريطانية بشكل مكثّف في المناطق الممتدة من جزيرة حنيش حتى جزيرة ميون المطلة على مضيق باب المندب، وتمنع ممارسة الصيد في عدّة مساحات تحت مبرّر تحويلها إلى مناطق عسكرية، والتمركز في عدد من الجزر الواقعة في المياه الإقليمية القريبة من الخط الملاحي الدولي. ووفقاً لمراقبين، فإن التحركات الأخيرة للفصائل الموالية للإمارات «تأتي في إطار تنسيق إماراتي - بريطاني لتحويل عدد من الجزر الاستراتيجية في البحر الأحمر إلى حاميات عسكرية مشتركة بذريعة حماية الملاحة الدولية، على غرار تحويل جزيرة عبد الكوري إلى جزيرة عسكرية إماراتية - أميركية، بالتوزاي مع تصعيد عسكري برّي في الساحل الغربي».
السفن الإسرائيلية في البحر المتوسط لن تكون آمنة في ظل امتلاك صنعاء أسلحة يتجاوز مداها الألفَي كيلومتر
كذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية مطّلعة، لـ«الأخبار»، عن توجّه بريطانيا لتعزيز نفوذها في عدد من الجزر اليمنية، وأنها تدارست مع قائد «القوات الوطنية» الموالية للإمارات، طارق صالح، الذي يزور لندن منذ أيام، خطة تصعيد بحرية تهدف إلى السيطرة على الجزر اليمنية الخارجة عن سيطرة ميليشياته في البحر الأحمر، ودعم قوات خفر السواحل الموالية لأبو ظبي، مقابل القيام بدوريات مكثّفة بشكل دائم. وأشارت المصادر إلى أن «بريطانيا تعتزم إنزال المئات من عناصر البحرية الملكية في عدد من الجزر الواقعة خارج سيطرة صنعاء، كخطوة أولى في إطار استعادة نفوذها في البحر الأحمر، إلا أن التوجّه البريطاني الأخير أثار حفيظة حزب الإصلاح في تعز، الذي رأى فيه تهديداً لنفوذه في المناطق المطلّة على باب المندب، ودفعه إلى التقارب مع صنعاء».
وفي هذا الإطار، وبعد موافقة حزب «الإصلاح» في تعز على مبادرة تقدّمت بها صنعاء بشأن فتح طريق حيفان - طور الباحة، وهو خط دولي يربط محافظة تعز بمحافظتَي لحج وعدن، اعتبر مراقبون تلك الموافقة «رسالة إيجابية». وكان الحزب قد دعا أيضاً أنصاره في تعز إلى المشاركة في تظاهرات الجمعة تضامناً مع غزة، وتزامناً مع التظاهرات التي نظّمتها صنعاء في كل أنحاء المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع. وكانت وسائل إعلام «الإصلاح» قد أبدت امتعاض الحزب من التحرك البريطاني الأخير، ونقلت عن مسؤولين قولهم إن طارق صالح تلقّى وعوداً بريطانية بدعم كبير للسيطرة على الشريط الساحلي لليمن، مؤكدة أن لندن استدعت كلّ قيادات الميليشيات الموالية للإمارات في الساحل الغربي بشكل خاص، بمن فيها قيادات من «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ضمن خطة وضعتها أبو ظبي لتمكين فصائلها من السيطرة على السواحل اليمنية، والمشاركة في ضمان حماية الملاحة الإسرائيلية والبريطانية والأميركية.
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية