قد يرى البعض أن تركيزي على شخصية ياسر عرفات هو من دوافع انتماء أو تعصب في إطار الصراعات الفلسطينية أو العربية، والأمر ليس ذلك ولا كذلك البتة.
كل ما في الأمر هو أن تطورات الأحداث تجعل ياسر عرفات "بوصلة" تعطي مؤشراً قوياً وموثوقاً للفهم والقياس.
إذا كان ياسر عرفات رئيس فتح ومن ثم منظمة التحرير، فمحمود عباس يشغل ذات الموقع أو الاثنين والاستنتاج البديهي هو أن "عرفات" رفض ما تطلب منه "إسرائيل" فيما خلفه نفذ كل ما يطلب من "إسرائيل" وهذه باتت بديهية فوق خلاف أو حتى اتفاق لـ"عباس" مع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها "حماس".
من جانب آخر فإن "عرفات" قبل توقيع اتفاق "أوسلو" كان إرهابياً بالنسبة لـ"إسرائيل" وأمريكا، لكنه بعد التوقيع أصبح من أبطال السلام وكُرّم بما تسمى "جائزة نوبل للسلام"، وهذا يؤكد أن "إسرائيل" الصغرى كما تسمى و"إسرائيل" الكبرى "أمريكا" تصمان من يخالفهما أو يختلف معهما بالإرهاب وحين يقبل بما تريدان يصبح بطل سلام.
إدانة "حماس" بالإرهاب هي كما أُدين عرفات ولو قبلت "حماس" بمسار ومسير "عباس" لأصبحت كذلك من أبطال السلام.
لقد ظل عرفات بين أبطال السلام الأهم ولكنه حين رفض عرض كلينتون الأمريكي وهو عرض "إسرائيل" كالمعتاد في آخر "كامب ديفيد" أُعيد أمريكياً "إسرائيلياً" إلى قائمة الإرهاب وتمت تصفيته بأيدٍ فلسطينية من فتح أو منظمة التحرير (وهما واحد).
فلأن الإرهاب هو صناعة أمريكية بشهادة حاكم السعودية الفعلي "محمد بن سلمان" وشهادة وزيرة الخارجية الأمريكية الشهيرة "هيلاري كلينتون" وكذلك الرئيس الأمريكي "ترامب" فكل من يختلف مع أمريكا وربطاً مع "إسرائيل" يُدان بالإرهاب ولا فرق أن يكون عرفات أو منظمة التحرير وفتح أو تكون حماس والجهاد والجبهة الشعبية أو الديمقراطية، فالمعيار يصبح السير مع أمريكا و"إسرائيل" كما يطلب منك وتصبح بطلاً للسلام أو ترفض تنفيذ ما يُراد أو لا تقبل بأي قدر فتصبح المدان بالإرهاب والنازية ومعاداة السامية وبكل وبأي إدانات رائجة.
ولهذا فإن توقيع عرفات لـ"اتفاق أوسلو" أياً كانت الظروف والمتغيرات وقتها إن لم يكن فيها خيانة ففيها لبس أو شبه خيانة، وتكريمه بجائزة "نوبل" عزز هذه التهمة أو الاشتباه، وأكبر تكريم لعرفات كان وصمه من جديد بالإرهابي والطريقة التي صفي بها لأنه لم يكن غير ذلك ما يبرئه من تهمة "الخيانة".
ولذلك لا يفترض أن ينطلي علينا الوجه الثاني للعبة الأمريكية "محاربة الإرهاب"، فالإرهاب هو حرب أمريكية على العالم والحرب الأمريكية ضد الإرهاب هي تطوير فقط للحرب الأمريكية على العالم بالإرهاب وقد ثبت لكل من يعي أن أمريكا كانت وراء أحداث مانهاتن سبتمبر 2001م تحت مسمى القاعدة وبقرائن ووقائع وإثباتات دامغة، ولكن فترة الهيمنة الأمريكية ومتراكماتها جعلت أمريكا تفرض على العالم الفهم الذي تريده وفوق ما يعيه ويفهمه العالم بحقيقة أن الإرهاب والحرب ضد الإرهاب هي حرب أمريكية على العالم فوق ما داخل استعمالها المزدوج والمركب من قدرات على هكذا استعمال متعدد ومتنوع.
دعوني أشرك القارئ في استعادة للذاكرة بصيغة هل العوام والعامة من الشباب الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان من قناعة واقتناع بأن ذلك هو ما يحتاجه الإسلام ويأمر به... هل هؤلاء سيدخلون الجنة أم مصيرهم النار؟
الذي مارس تضليل هؤلاء وأقنعهم بأن ذلك هو من أجل الإسلام هم من يفترض أن يحاسبوا في الدنيا أو الآخرة وعلى أي مستوى وأي بلد، أما الضحايا لهذا الخداع والتضليل فلا أستطيع شخصياً التطفل والافتاء.
ولهذا فمحمد بن سلمان قال وبشجاعة كما أراها "نعم نحن صنعنا الإرهاب ولكن بأمر أو بطلب أمريكي"، فلماذا لا يعترف آخرون وهم كثر بمن فيهم هنا باليمن بذات مستوى شجاعة ابن سلمان، وكلنا في اليمن نعرف تماماً من هو الطرف وحتى كبار الشخوص والشخصيات التي جيشت الشباب من اليمن للجهاد في أفغانستان والشيشان؟
عرفات كان إرهابياً قبل "أوسلو" وبعدها بطل سلام وعاد لإرهابيته حين رفض عرضاً "إسرائيلياً" عادة ما يسمى أمريكياً، فهكذا حروب أمريكا بالإرهاب وحروبها بمحاربة الإرهاب ومسألة تضليل وتحريض "العوام" تصبح بتفعيل أنظمة وتيارات أو أطراف تمت تهيئتها وتأهيلها لأداء هذا الدور.
وأمريكا بجلالها وعظمتها لا تتردد في اتهام "الحوثيين" وحزب الله بأنهم وراء الحركة الطلابية القائمة في الجامعات الأمريكية، أما حين قلنا 2011م بأن أمريكا هي وراء المظاهرات وما عُرفت بالثورات الملونة فإنها أول من ينبري ليقول "الثورات في الشرق الأوسط هي إرادة شعوب الشرق الأوسط وليست إرادة أمريكا".
ما صنعته حماس وكتائب القسام في 7 أكتوبر 2023م هو أفضل ما عملته في تاريخها وفي حياتها إسلامياً وقومياً وإنسانياً كجهاد مشروع ونضال مشروع لا يشك فيه ولا غبار عليه.
أما تهمتها أو إدانتها بـ"الإرهاب" فهو في إطار "سيناريو" أمريكي متراكم جاهز للتعامل مع مثل هذه الحالة ويمتلك متراكم التضليل والتأثير معاً، ومع ذلك فالتغيير والمتغير العالمي تجاوز الأحادية في السيناريوهات والعقوبات.
العالم لا بد أن يصل عاجلاً أو آجلاً إلى حقيقة أن أمريكا مارست -ومازالت- الإرهاب والحروب البيولوجية أو الفيروسية ضد العالم.
أمريكا تزعم أنها من ينقذ العالم من الفيروسات التي صنعتها مثلما تزعم أنها تحارب الإرهاب، والحقيقة أنه لولا أمريكا ما جاء ولا حدث إرهاب في العالم ولما جاءت كل هذه الأوبئة.
ولهذا قلت من البداية إنني لست بصدد دفاع عن عرفات ولا بصدد إدانة أو تبرئة، ولكن هذه الحملة على "حماس" ربطاً بالإرهاب دفعتني لتفكيك لعبة أمريكية -"إسرائيلية" شارك عرب أنظمة وتيارات في الأساس لها والتأسيس، والعرب والمسلمون كانوا أبرز ضحايا استعمالها أمريكياً -"إسرائيلياً"، ومن ذلك ما يُطرح اليوم تجاه حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة وكل أطراف محور المقاومة، وأرى أن محورية "عرفات" تناسب الغاية المتمثلة في فهم أشمل وأوسع وفي وعي أعمق وأبعد!
* نقلا عن : لا ميديا