لأول مرة في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، الممتد منذ أكثر من 75 عاما وقبله كان الصراع مع الاستعمار البريطاني، أقول لأول مرة في تاريخ هذا الصراع يصل إلى طلاب الجامعات في أمريكا والدول الغربية، وهذا الحدث يحمل من الأهمية ربما ما يتجاوز أهمية اعتراف الحكومات الغربية وأمريكا بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب العربي في فلسطين.
معركة طوفان الأقصى قوبلت بتنديد واستنكار معظم الأنظمة العربية والإسلامية، الذين اعتبروا المعركة هذه مغامرة غير محسوبة من حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وفيما اعتبر الصهاينة يوم السابع من أكتوبر الماضي يوما أسود في تاريخهم الحديث، واعتبر رعاته في أمريكا والغرب هذا اليوم يوما غير مسبوق في نتائجه غير المتوقعة، إذ تمكنت المقاومة في هذا اليوم من إسقاط هيبة الكيان الصهيوني وكل أساطيره، فيما الغرب وقبله أمريكا رأت فيما قامت به المقاومة الفلسطينية في هذا اليوم بمثابة الكارثة التي تعني بداية انهيار الكيان الاستيطاني الذي يمثل قاعدة عسكرية متقدمة لأمريكا والدول الغربية، قاعدة مهمتها رعاية المصالح الاستعمارية ولإبقاء الوطن العربي والجغرافية المحاذية له تحت سيطرة أمريكا والدول الغربية، لذا هرولت أمريكا والدول الغربية للمنطقة بأساطيلهم ومدمراتهم خشية من انهيار الكيان، الذي بانهياره تفقد أمريكا مكانتها الدولية وتفقد سيطرتها على الوطن العربي، لأن من يسيطر على الوطن العربي يسيطر على العالم، وخشية أيضا من تدخل المقاومة الإسلامية في لبنان إلى جانب المقاومة في فلسطين وهذا إن حدث بنظر الغرب وأمريكا يعني نهاية الكيان فعلا، وهذا فعل غير مسموح به إطلاقا وتحت أي ظرف أو مبرر، ومن هنا جاءت الإدانة العربية الرسمية للمقاومة السرية والعلنية، لذا وحين جاء الرد الصهيوني الوحشي على المقاومة كان الجميع يتوقع أن العملية لن تستغرق أكثر من بضعة أيام أو أسابيع حتى يتمكن الجيش الصهيوني من القضاء على المقاومة وكان هذا أمل الصهاينة وأمريكا والغرب وحتى الأنظمة العربية التي تمنت أن يتمكن الجيش الصهيوني من التخلص من المقاومة في قطاع غزة خلال أيام معدودة وكان هذا امل بعض النافذين في مفاصل السلطة الوطنية الفلسطينية..؟!
استطاعت أمريكا والدول الغربية من خلال تحريك أساطيلها ومدمراتها إلى شواطئ فلسطين المحتلة أن تحد من تدخلات المقاومة الإسلامية في لبنان وأيضا ردع أي محاولة تدخل لمناصرة المقاومة الفلسطينية من أي جهة كانت في المنطقة حتى في نطاق الإغاثة الإنسانية، مدركين أن القطاع محاصر منذ سنوات وأن صمود المقاومة والشعب محدود في مواجهة جبروت الآلة العسكرية الصهيونية التي أطلقت لتوحشها العنان في رغبة انتقامية غير مسبوقة، في حرب غير مسبوقة من حيث أهدافها وأطرافها، ومع مرور الشهر الأول والثاني والثالث، بدت الأمور تتضح أكثر وبدأ العالم يشاهد حرب إبادة غير مسبوقة، حرب ترعاها الدول الكبرى وتمد الصهاينة بكل قدرات التدمير والموت والخراب والقتل ناهيكم عن المعلومات الاستخبارية والغطاء السياسي في مختلف المحافل الدولية، وغطاء إعلامي، فوجدت المقاومة في فلسطين نفسها تواجه ليس جيش الاحتلال بل العالم بأسره، وحين تدخلت اليمن حشدت أمريكا والغرب قواتهم للبحر الأحمر للتصدي للموقف اليمني المساند، الأمر ذاته حدث في مواجهة إيران التي واجهت خلال رد فعلها على قصف قنصليتها في دمشق بتصدي أمريكا وفرنسا وبريطانيا لمسيّراتها وصواريخها مع أن الرد الإيراني جاء محسوبا ودقيقا.
هذا العالم بمن فيه العالمين العربي والإسلامي وجدوا أنفسهم أكثر ذهولا مما حدث يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، و ذهولهم الأخير نابع بفعل صمود المقاومة الاسطوري الذي أظهر فعلا أنها مقاومة لا تقهر، وأنها استطاعت بقدراتها المحدودة وإرادة تعانق ( سدرة المنتهى) أن تقهر الجيش الذي لا يقهر رغم اصطفاف العالم إلى جانبه..؟!
نعم.. دفع الشعب العربي في فلسطين ثمنا نراه باهظا وغير مسبوق، لكن بالمقابل حقق الشعب الفلسطيني ومقاومته ما كان يستحيل تحقيقه على مدى مائة عام قادمة من النضال الذي تحبذه (سلطة رام الله) والأنظمة العربية والرعاية الأمريكية الكاذبة..؟!
طوفان الأقصى لم تكن (مغامرة غير محسوبة) بل كانت معركة موفقة ومدروسة بدليل ما يشهده العالم من حراك تضامني مع الشعب العربي في فلسطين ومع قضيته العادلة، هذه القضية وعلى مدى 75 عاما خلت لم تتمكن من اختراق صفحة الأخبار في صحف أمريكا والغرب، ناهيكم عن شاشات الفضائيات الأمريكية والغربية، فما بالكم في ما يتعلق بالوعي الشعبي الجمعي للشعب الأمريكي وشعوب أوروبا الذين كانوا مغيبين عن القضية الفلسطينية وعدالتها وحقوق شعبها المشروعة.. لقد أيقظت طوفان الأقصى ذاكرة العالم واخترقت كل التحصينات التي كانت تحول بين القضية العادلة والضمير الإنساني الدولي.
وها هو العالم الذي اصطف في الجانب الخطأ وناصر وأيد قوات الاحتلال يواجه اليوم حراكاً غير مسبوق ولم يتوقعه، حراك وصل لعقر دار هذا العالم فطال الشوارع والجامعات والنخب وأصبحت القضية الفلسطينية قضية رأي عام دولي يؤيد حق الشعب العربي في فلسطين ويدين الاحتلال الصهيوني ويدين من يدعم هذا الاحتلال، وما تشهده جامعات العالم وخاصة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكندا وألمانيا وهولندا وسويسرا وبلجيكا، وفي أكثر من دولة غربية، كل هذا يدل دلالة قطعية على أن معركة طوفان الأقصى كانت معركة موفقة ولم تكن مغامرة، بل معركة استراتيجية موفقة وناجعة وتمكنت من فرض قضية الشعب الفلسطيني التي أصبحت قضية عالمية تتبناها شعوب العالم قاطبة والتي قطعا لن تبقى محصورة داخل حرم الجامعات بل ستخرج للشوارع الأمريكية والغربية وقد بدأ هذا في أمريكا.