لشعب السودان ألفُ حافزٍ وحافز يدعوه لأن يثورَ، غير أن تفجيرَ ثورة أمرٌ مختلفٌ كلياً عن إدارة فعل ثوري برؤية ومسار واضحَين وإدراك لمستوى النضج الموضوعي والذاتي في اللحظة الزمنية الراهنة من تأريخ السودان وبأداة ثورية طليعية لا تنتمي لشبكة المصالح السياسيّة الطبقية القائمة المؤلفة لقوام سلطة السيطرة بشقَيها الحاكم والمعارض وامتداداتها العميقة في الظل من لعبة السيطرة المنظورة..
حتى اللحظة بوسعنا الجزمُ بأن السودانَ بات موضوعياً برسم ثورة اندلعت فعلاً بينما ليس في وسعنا بأيِّ مستوى الجزم بأنها متوافرة على شروط ذاتية لا غنىً عنها لجهة بلورة هُوية جامعة مشتركة لقواها الاجتماعية المطالبة بـ(إسقاط نظام) والحلول محله بكل تعقيداته، كما ولجهة تظهير الخطوط العريضة للمشروع البديل وأين يقفُ من مجموع علاقاته الطبقية المحلية في جدلها مع محيطها الكوني الفسيح الإقليمي والدولي وكيف يعرّف هذه العلاقات ومقارباته للاقتصاد وعلاقات الإنتاج السائدة؛ باعتبارها الرافعةَ الأبرزَ للنظام السياسيّ المسيطر في الراهن والناظمة لمجمل توجهاته السياسيّة الداخلية والخارجية والكاشفة لطبيعة الدور الذي ينهض به ضمن منظومة السيطرة العالمية ككل وموقف الثورة من كُــلّ ذلك كسبيل لتظهير رؤيتها للعدالة الاجتماعية المنشودة والآليات الكفيلة بترجمتها في البناء الفوقي للحكم.
ثمة ثورةٌ سودانية جارفة بمستوىً كافٍ للإطاحة بالبشير من السلطة بالقطع وثمة دور تسليم قادم لا يمكن تخمينُ الطرف الآخر الممثل للثورة فيه فالشارعُ السوداني يتدفّق اليوم بتواطؤ جمعي قائم على إرجاء التناقضات البينية العشائرية والقبلية والجهوية والسياسيّة والإثنية المؤلفة لقوام الثورة الاجتماعي الذي يلتقي عند نقطة (إسقاط النظام) وليكن ما يكون، وبموازاة ذلك تكمن معظم أحزاب المعارضة التقليدية في ظل الفعل الشعبي وتتحين ولاريب لحظة استثمار مواتية لقطاف ممكن ومرضي عنه دولياً لجهة بلورة مستقبل سودان بغير (بشير) لكن أيضاً بغير مشروع مناوئ للدور الذي كان ينهض به البشير ضمن لعبة الهيمنة الدولية وبغير قدرة على رفع التناقضات الداخلية التي تتكئ عليها الهيمنة وتقوم عليها لعبة الحكم في السودان ولا على تداول صبغ وطنية بديلة تتجاوز هذه التناقضات نحو استعادة عافية وقوة البلد بمعزل عن وصاية دولية مباشرة وغير مباشرة قد تكون إحدى خياراتها تشظية التراب والنسيج الاجتماعي السوداني بأكثر مما هو متشظٍّ في الراهن كسبيل لتعميق مجمل تلك التناقضات والبناء عليها كلبنات أصيلة لا تجاوزها كطارئ جرت تنميته وتكريسه والاستثمار فيه على مدى عقود طوال.