في مهده، كان شعار الصرخة الذي أطلقه مؤسّس المشروع القرآني في اليمن الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، في نظر الكثير “تَرَفًا مبالَغًا به” وشطحة تجاوزت واقع الصراع، وخلقاً لعداوات غير مبرّرة وَاستدعاء غير محمود العواقب لأعداء جدد، كما كانوا يرونه خروجًا عن المألوف وَهروبًا من الاستحقاقات الداخلية، فيما كان وقعه على عملاء الخارج “ثورة وعي” قد تسحب البساط الشعبي من تحت أقدامهم وَ”مشكلة” قد تعصف بكل مصالحهم وَأوضاعهم المستتبة مالياً وإدارياً القائمة أصلاً على رضا من هم في دائرة استهدافه.
كان لدى الخارج المستهدف والإقليم الموالي له وما سبق من توليفة العملاء والمغرر بهم بمثابة إعلان حرب، ومساساً بالذات التي يرون أنها قدر لا بدّ أن يهيمن، وأن يأمر وَينهي وَما على الآخرين إلَّا الاستجابة والطاعة، في المقابل كانت البنية الوطنية مجتمعياً وَسياسيًّا وَجغرافياً تتآكل تحت براثن المؤامرات والتناقضات المسيطر عليها والممولة خارجياً.
ولكون الشعار انطلق من محافظة صعدة النائية المعزولة التي لا تكاد تصل الأخبار الحقيقية منها، كانت الشريحة العريضة من اليمنيين ما بين ضحية للهالة الإعلامية الأُحادية التي كانت تصدرها السلطة الحاكمة والإقليم المناوئ له، وما بين موال واع لمضامين الشعار والحركة غارقاً في دوامة من الصمت القسري خشية الاستهداف والعقاب، كانت المقاطع المصورة البسيطة وَخافتة الدقة للمحاضرات التي كان يلقيها الشهيد المؤسّس ومقاطع الحرب التي كان يخفيها إعلام السلطة تتداول كسلعة محرمة؛ هروبًا من زنازين النظام المعتمة.
تشكلت التحالفات مستعينة بعقود من النفوذ والتضليل والتجييش، وخاضت حروباً ضروسة مع مؤسّسه ورجاله القلائل، كانت حروباً مأساوية دامية قتلت وشردت الآلاف وَهدمت كُـلّ شيء، باستثناء هذا الشعار الذي ظل حاضراً بين الركام، أحكموا الخناق عليه بكل السبل، وشاء الله أن يظهره جليًّا بحُجَجِه الدامغة، وأن يُعيدَ تشكيلَ الوعي الشعبي وترتيب أولوياته، الوعي الذي بات يرى في الشعار حاجة ملحة للخروج من دوامة الاستنزاف الداخلي للدماء والمقدرات.
تسامى اليمنيون –في دائرة الجغرافيا التي ترفع هذا الشعار والمنهجية المصاحبة له- عن الصراعات الجانبية مناطقياً وقبلياً وسياسيًّا، وفعلًا نجحت المنهجية والشعار في تشخيصهم للأعداء خارج إطار الجغرافيا اليمنية، بل والعربية، تجسد هنا نمط ثقافي جديد أعاد بهذا التسامي تشكيل شتاتهم الحزبي والجغرافي والمذهبي، وَوجد اليمنيون أنفسهم يقودون مشروعاً جامعاً وقابلاً أن ينطوي في إطاره الأمتين العربية والإسلامية، وكل المستضعفين في العالم أجمع.
...
ليس بخفي أن الشعارَ انطلق في مرحلة حرجة كان يعيشها اليمن والعالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م، وبقدر ما كان مهمًّا لليمنيين في معالجة أزماتهم الداخلية فقد كانت المضامين التي يصدرها الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، تتجاوز حدود اليمن في ندائها وحرصها ومخاوفها.
لقد حاول السيد حسين بدر الدين الحوثي، بمنهجية القرآن وبهذا الشعار أن يجمع الفرقاء حول القضية المحورية للأُمَّـة فلسطين، كما أراد تنبيهَ الأُمَّــة بالمخطَّطات الأمريكية والاستعداد لمواجهتها، لم يكن مُجَـرّد شعار مرحلي بتأثير اللحظة التي انطلق فيها، بل بقراءة سابقة ولاحقة متأنية وَبعيدة المدى، وبقدر ما فطن إلى المشروع الأمريكي والصهيوني وَمراميه الخبيثة فقد استشعر حاجة الأُمَّــة إلى التحَرّك في مشروع يعالج وضعيتها وبنيتها لتكون في مستوى مواجهة التحديات المحيطة بها، وهذا ما حدث على مستوى التحذيرات؛ إذ شهدت المنطقة العربية أحداثاً وَموجة تحولات كبرى أليمة ومؤسفة بفعل السياسات الأمريكية، ولا تزال وتيرتها الآن شاهدًا على صدق التنبؤات.
ونحن نقف على تجليات ظهرت في الواقع المعاش راهناً للصرخة، نشير إلى أنه كان ثمن هذه الصحوة التي تأخرت بفعل الحروب مكلفاً لليمن برمتها، خُصُوصاً بعد العدوان الخارجي المباشر الذي لفت انتباه العامة إلى عظمة المشروع وخطورته على الأعداء، غير أن جرعات الوعي والعزيمة التي تشربها اليمنيون من هذه المنهجية التي راوا فيها استعادة لحضورهم التاريخي ساهمت في ثباتهم أمام الموجة رغم حرب السنوات التسع، وعلى خلاف كُـلّ العمل العكسي الممول والمجند له كُـلّ الإمْكَانات فقد خسر العملاء شعبهم، وفشلت أمريكا في حمايتهم، ووأد هذه الصرخة، التي امتدت وتعاظمت وتجذرت ووصلت أصداؤها إلى مسامع الدنيا بكلها، وَكان من مخرجاتها هذه اللوحة المميزة والمتكاملة التي يظهر بها الشعب اليمني في مساندة الشعب الفلسطيني بموقف مميز وَمتكامل.
“اصرخوا وستجدون من يصرخُ معكم في أماكن أخرى”، قبل ٢٣ عاماً قالها القائد الشهيد حسين بدر الدين، أمام العشرات من رجاله في مدرسة ريفية بصعدة، وجيش النظام يحيط به من كُـلّ جانب، ولا أفق يدعو للتفاؤل، كان يعلم أنه نجح في تشخيص المرض، وَتبقى لاحقًا أن تعزز الأحداث والانحدار الأمريكي والتوحش الصهيوني هذه القناعة في قلوب وعقول العامة والخَاصَّة، وبأن اتّجاه الأُمَّــة إلى معادَاة عدوِّها الفعلي سيجعلها تدرك الحلول، وَأهميّة الخطوات والمواقف والمشاريع الصحيحة.
*نقلا عن : موقع أنصار الله