في تاريخ الحروب على مر العصور لم يسبق لأي طرف أن أقرّ واعترف بجريمة ما.. سواء ارتكبها عن سابق إصرار وترصد أو عن طريق الخطأ، حتى دخلت السعودية في حرب بالوكالة عن أمريكا في اليمن، كسرت خلالها كل الأعراف والقيود وسجلت سابقة في صناعة التوحش وإدارة التنكر.
قائمة طويلة من جرائم حرب الإبادة بحق الشعب اليمني على مدى أربعة أعوام وسلسلة أطول من الروايات المضللة والمفبركة لإعلام العدوان تبدأ بالتباهي والمفاخرة برصد واستهداف تجمعات لمن أسموهم الحوثيين، كما في جريمة كشر بمحافظة حجة وما نتج عنها من سقوط عشرات النساء والأطفال، ولا تنتهي عند حد الإقرار والاعتراف بها ،بل بالإصرار على استثمار دماء الضحايا وأنّات الجرحى لتبرئة ساحة الجاني وتحميل الخصوم المسؤولية في أقبح وأبشع صورة من صور الاستخفاف بالعقول والاستهتار بالأرواح.
في العاشر من شهر مارس الجاري كشفت قناة “العربية” في نشراتها الإخبارية عما أسمته عملية نوعية لتحالف “دعم الشرعية” استهدفت من أسمتهم الحوثيين في كشر بمحافظة حجة، وتهدف لحماية المدنيين بحسب زعمها، وعرضت مقطع فيديو قالت إنه لحظة المراقبة والاستهداف لثمانية عشر عنصراً من “الحوثيين” تجمعوا في مبنى بمديرية كشر، كان ذلك بعد وقت قصير من الإعلان عن غارات هستيرية دمرت عشرة منازل في منطقة طلان وأوقعت أكثر من 40 ما بين شهيد وجريح جلهم من النساء والأطفال من عائلتي الهادي وأحدب.
وبعد التقصي والتدقيق ومطابقة ما بثته العربية من مشاهد مع صور الأقمار الصناعية في مغربة طلان البعيدة عن مكان الاشتباك بأكثر من عشرة كيلومترات تبين أن المنزل المستهدف بغارات العدوان هو للمواطن محمد إبراهيم زليل الذي احتضن قرابة عشرين امرأة وطفلا من النازحين قبل استهدافهم وقتلهم.
وتحت ضغط الجريمة وانكشاف خيوطها وملابساتها بشهادة الناجين من النساء والأطفال لجأ إعلام العدوان إلى الكذب والتدليس لمداراة فضحيته والحد من تداعياتها بنهجه المألوف في تزييف الحقائق وفبركة وقائع أقر واعترف بها لكنه حمَّلها خصومه ،وقال إنهم ارتكبوا مجزرة كشر، معلنا نفس الأرقام والأسماء التي أعلنتها وزارة الصحة بمنتهى الوقاحة والانحطاط.
وليست جريمة كشر وحدها التي فضحت الإجرام السعودي ،ففي ضحيان صعدة وبالتحديد في شهر أغسطس العام الماضي لم يكتف النظام السعودي باعترافه على الملأ بقتل عشرات الطلاب بغارات جوية في جريمة اعتبرها تتناسب مع القوانين الدولية والإنسانية ولا بمراحل إنكارها والتبرير لها، بل وجد في تواطؤ المجتمع الدولي والصمت الأممي عن مجازره المشهودة فرصة للتشكيك وطمس الحقائق والوقائع.
كذلك جريمة الصالة الكبرى بحق المعزين وما ترافق معها في أكتوبر من عام 2016م من مزاعم مضللة ومفبركة بهدف التغطية على بشاعة الجرم المرتكب والاستثمار تظل واحدة من أكبر وأبشع جرائم حرب الإبادة التي فضحت تحالف العدوان أخلاقيا وإنسانيا وإعلاميا ومثلت معيارا للعجز الأممي في وضع حد لمثل هذه المذابح وملاحقة مرتكبيها.
والضرر قد أصاب المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة كاستهداف طيران العدوان مركزاً لأطباء بلا حدود في مديرية عبس بحجة هو الخامس من نوعه ،لم تسلم الأخيرة من ادعاءات السعودية المغلوطة والتعامل معها كأنها المسؤولة عن القصف وليست ضحيته.
وهكذا ومع كل جريمة من جرائم القتل والتدمير يلوك تحالف العدوان ويسوق سيلاً من الادعاءات المضللة والمتناقضة مستندا إلى الدعم الأمريكي الذي شكل دافعاً لارتكاب المزيد من هذه الجرائم وقارب النجاة للإفلات من العقاب.