حذر سماحة السيد القائد عبدالملك الحوثي قادة السعودية من الانجرار خلف الولايات المتحدة، والتورط في خدمة العدوّ الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال، وبالتحديد التصعيد الاقتصادي ضدّ البنوك والمطار وإفشال صفقة الأسرى. واصل سماحة السيد الحوثي توجيه رسائل واضحة للسعودية، وليست المرة الأولى، لكنّها الأكثر وضوحًا والأشد لهجة، والأحد تحذيرًا، بعبارات: فلتكن ألف ألف مشكلة، المطار بالمطار والبنوك بالبنوك، والميناء بالميناء، تحذيرات مشفوعة بالنصح والتبيين معًا، والتذكير بالعجز الأمريكي عن حماية نفسه، إن كان هناك من يمنّي نفسه بحماية واشنطن.
لا شيء يبدو أكثر وضوحًا من عجز الأمريكي وفشله في إعاقة أو وقف العمليات اليمنية المساندة لغزّة، على مدى أكثر من تسعة أشهر، وهو الفشل الذي عبرت عنه تقارير الإعلام الأمريكي المستندة إلى تصريحات رسمية عسكرية وغير عسكرية، وعبرت عنه بشكل أدق حاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية، وما ترافق معها من تقارير تكشف معها حالة التوّتر المستدامة التي خيمت على جنود مجموعة أيزنهاور طول فترة انتشارها أمام السواحل اليمنية.
لم يظهر العجز والفشل لدى واشنطن ولندن فقط، بل حتّى التحالف الأوروبي، أعلن أيضًا أنه غير قادر على إدارة معركة بحجم الإسناد اليمني لغزّة، ومع تصاعد الهجمات على السفن التي تخرق الحظر، رأى رئيس المهمّة الأوروبية الأميرال فاسيليوس جريباريس، أن على الأوروبيين زيادة حجم تلك القوات البحرية إلى أكثر من الضعف، وقال جريباريس: “ليس لدينا ما يكفي من الأصول لا سيما أن المنطقة التي يجب تغطيتها واسعة”، هذا رغم العدد الكبير من القطع البحرية الأوروبية، والأمريكية والبريطانية.
هذا الانكشاف والفضيحة التي لحقت بجيوش قوى عظمى، والإخفاق المدوي في كبح جماح القوات المسلحة اليمنية التي توسع من عملياتها العسكرية لتشمل البحار الأربعة، الأحمر والعربي والمتوسط بالإضافة إلى المحيط الهندي، كان له وقع الصدمة على نفوس المراقبين، لا سيما وأن توسيع المدى ترافق مع توسيع الأهداف لتضم إلى جانب سفن الكيان، تلك التابعة لأمريكي والبريطاني، ولاحقاً في المرحلة الرابعة أي سفينة تبحر باتّجاه موانئ فلسطين المحتلة، على شواطئ المتوسط، مهما كانت جنسيتها. لقد تصاعدت هذه العمليات حتّى في عددها، وبتنا ننتظر بيانات القوات المسلحة بشكل شبه يومي.
كذلك، فإن انكشاف تلك الحقائق دفع الإعلام السعودي والإماراتي للتعبير عن الاندهاش والذهول الممزوج بشيء من التشفي والتحريض معًا، فجاءت عناوين الأخبار في بعضها (هجمات الحوثي تربك القوّة الغربية)، وفي بعضها الآخر (هجمات الحوثي تربك حاملات الطائرات الأمريكية)، و(خيارات أمريكية مؤلمة)، و(أمريكا من الهجوم إلى الدفاع)، ثم (خيبة أمريكية.. واشنطن تبحث عن إشراك دول المنطقة ضدّ هجمات الحوثي).
بعناوين كهذه أفصح الإعلام الإماراتي والسعودي عن قلق عميق يساور قادة البلدين، والرهان الذي لطالما بحثت عنه الرياض وأبو ظبي لجر الأمريكي إلى الحرب العدوانية على اليمن، يبدو اليوم أنه لم يكن في محله، وكذلك الأمر بالنسبة للرهان على الحماية الأمريكية، فأكبر وأضخم المجموعات الحربية البحرية الأمريكية، مثل أيزنهاور التي تضم مدمرتين، وغواصة نووية، جرّت أذيالها وذهبت بعيدًا، بعد تلقيها ٤ ضربات متوالية في المرحلة الرابعة من التصعيد، وعندما تتعرض رمز القوّة الأمريكية لمثل هذه الإهانة، ولم تستطع حماية نفسها، ولا حماية الملاحة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، وكذلك الحال بالنسبة دايموند البريطانية، التي انسحبت قبل أيزنهاور، فعلامَ يكون الرهان إذاً؟
ورغم أن الإعلام السعودي انعكاس صادق للتوجه الرسمي، فإن تصريحات وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان عن استعجال العمل والتوقيع على خارطة الطريق، لم تكن بالمستوى الذي يقنع صنعاء بالابتعاد السعودي عن التوريط الأمريكي، فالأفعال السعودية التي أشار إليها السيد عبدالملك الحوثي، تشير إلى إمكانية الانخراط السلبي للرياض، ولهذا رفع السيد من سقف التهديد، ووضع القادة في اليمامة أمام حقائق الميدان والتطورات العسكرية العملاتية، “فجربوا”، قالها للسعودي إن أراد أن يخسر أمنه واستقراره واقتصاده، وأن تتوقف بنوكه ومطاراته وموانئه.