انقلبت ذكرى الحرب على اليمن من ذكرى مؤلمة، الى مناسبة وطنية احتفالية، وتجلت كاحدى الدلائل على التغيرات التي حدثت في البنية التحتية السياسية، والعسكرية ، بل وحتى الاجتماعية.
فالعاصفة السعودية، التي جاءت محملة بتوقعات عالية بسرعة الحزم في اليمن، عملت بشكل عكسي على رفع مستوى الجاهزية والدفاع، واعادة بناء البنية التحتية ، التي كان قد تم تدميرها بتفكيك الجيش، وتعميق الصراع الداخلي، وابطال القدرة على المواجهة، اضافة الى انتزاع القرار الرسمي اليمني، لجعل “اليمن الرسمية” مؤيدة ومشرعنة للحرب السعودية.
وببنية سياسية متهالكة، وعسكرية مفككة، كان التحدي الاكبر الذي وقف امام اليمنيين وجها لوجه، ووجدت جماعة انصار الله نفسها مكلفة بان تكون في وجه المدفع، وان تعيد بناء البنية السياسية والعسكرية، وتعيد بناء القدرات وتمثل مع الوقت “اليمن الاخر المقاوم للعدوان”
لذلك كانت الاربع سنوات فرصة لبناء اليمن، من تطوير للقدرة العسكرية، و تراكم للخبرة السياسية في ادراة البلاد ادرايا وامنيا، ومواجهة التحديات الاقتصادية.
في البداية كانت هناك اخطاء عسكرية ارتكبتها جماعة انصار الله ، بتورطها بحرب شوارع في مدينة عدن جنوب اليمن بعد فرار الرئيس اليمني عبد ربه هادي اليها، واعلانه لها عاصمة مؤقته، وانتهت حرب الانصار هناك بانسحاب القوات وهزيمتها، واحتلالها بسهولة من قبل دولة الامارات.
قد يكون هذا الخطأ التكتيكي، قد اسيئ تقديره وقتها، فجماعة انصار الله ومعها قوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس الاسبق علي عبد الله صالح ، كانت تحارب في ساحة عسكرية ملغمة بمليشيات القاعدة، وهذا جعل الهجوم في ارض جديدة خطاء تكتيكي، لكنه كان بالنسبة للانصار وقوات صالح مسألة مصيرية لاحكام السيطرة على “عدن” بعد اعلانها عاصمة مؤقته من قبل الرئيس هادي، الذي بعد فراره الى سلطنة عمان اعلن دعمه لعاصفة الحزم السعودية.
تفاصيل الحرب يمكن اعادة ترتيبها في سياق من الذي استفاد من اخطائه وتجاوزها، ويعمل على تصحيحها، فقوى موقفه وموقعه، ومن الذي كان وضعه وموقعه اقوى، وعمل على ارتكاب اخطاء كارثية، اضعفت موقفه ، مما ادى الى تغير المزاج الشعبي، وهو عامل مهم في بنية العمل السياسي – الاجتماعي.
فمع بداية شن العدوان على اليمن، كان الراي العام المحلي في اليمن، يدعم حرب التحالف السعودي ضد انصار الله، وكان المعركة تصور انها معركة استعادة السلطة السياسية والدولة من يد الجماعة الانقلابية.
لكن خلال اشهر وسنوات بدأت تنكشف للجميع مخططات اللعبة السعودية – الاماراتية في اليمن، ومشاريعهم الاستعمارية العسكرية، والتي كنت اولى ضحاياها “الشرعية” ممثلة بشخص الرئيس هادي وحكومته، والاحزاب المتحالفه معها لاسيما “حزب الاصلاح الاسلامي”
هذا يفسر الالتفاف الشعبي حول جماعة انصار الله في احتفالها الاخير بذكرى العدوان الرابعة والتي تحولت الى اليوم الوطني للصمود، فمثل الخروج المليوني استفتاء على فشل المخطط السعودي، ويمكن القول انه تعبير عن رفض المشروع الخارجي في اليمن ، والالتفاف حول الجماعة اليمنية، التي باتت راس حربة مدافعه عن مشروع اليمن وسيادته واستقلاله، وبذلك كسبت جماعة انصار الله لم تكن تتوقعها في بداية اول ضربة جوية سعودية.
حالة الهلع والتخبط التي كانت هي سيدة الموقف في تلك الساعة مع شن اولى الغارات السعودية على صعده وصنعاء، تم تجاوزها خلال ايام، ليكون اول رد بعد شهرو نصف من بد الهجوم العسكري، باطلاق اول صاروخ يمني باتجاه الحدود السعودية، وهو ما دشن مرحلة تغير خارطة الصراع، وتحول الحرب الى يمنية – سعودية .
وخلال 4 سنوات، ظهر تفكك التحالف السعودي، وظهرت الخلافات بين الاجنحة والاحزاب، وبين مليشيات تدعمها الامارات واخرى تدين بالولاء للسعودية، كما ظهر الدعم الامريكي والبريطاني للعدوان السعودي.
وساهم هذا التفكك السياسي والعسكري الى تقوية جبهة انصار الله العسكرية، التي عمدت الى تقوية الجيش اليمني، وحاربت تحت لواء وراية الجمهورية اليمنية، ووزارة الدفاع، باسم اليمن، وهذا عزز الانتماء الوطني لدى المزاج الشعبي والراي العام.
فتحول المزاج الشعبي الذي كان مع التدخل السعودي والشرعية، الى راي عام يرفضها وينتقد اداءها، وان لم يكن داعما لسلطة انصار الله، التي اصبحت سلطة موازية وفعليه، وهي السلطة اليمنية الفعلية الوحيدة على الارض، لدرجة انها تعتبر هي الحكومة اليمنية الفعلية، ولا ينقصها الا الاعتراف الدولي، ونتوقع ان يكون هذا قريبا.
فخلال هذه الاربع سنوات تم التدرج بالاعتراف الدولي شبه الرسمي بسلطة انصار الله وحكومة الانقاذ الوطني ، وكأن هذه السنوات كانت دروة تدريب لجماعة قليلة الخبرة السياسية في ادارة الدولة، لتاهليها لتكون شريكا مستقلبيا ، ليس في حكم اليمن فقط، بل كشريك مستقبلي للمجتمع الدولي، في محاربة داعش والقاعدة في اليمن والجزيرة العربية .
ان الاداء الباهت والضعيف والفاسد الذي قدمته “الشرعية” اكدت بها انها مسلوبة القرار، وان ما يحركها هو المصالح الفردية، التي ظهرت بشكل منافسه وصراع اجنحة، بينما كان المعسكر المقابل يعمل بروح وطنية وبروح الفريق الواحد.
واما استغلال وتعظيم مأساة اليمنيين من قبل السعودية والشرعية، وفرض عقاب جماعي على ملايين اليمنيين، اظهر ان الحكومة التي تمثل اليمنيين في الخارج، هي جزء من مأساتهم وسبب في تجويعهم وحصارهم.
ان ما ينقص السلطة الفعلية على الارض اليوم هو فقط الاعتراف الدولي، والاعتراف الدولي ينتزع ولايطلب، ويبدو ان هذه هي استراتيجية انصار الله وحكومة الانقاذ، من خلال التهديدات التي تطلقها، والتي تظهر تفوقها العسكري، وتطوره وتحولها من الدفاع الى الهجوم، وتحويل اليمن الى رقم مهم في الساحة الاقليمية، والغاء موقعها كحديقة خلفية للسعودية.