تعيش المحافظات الجنوبية في اليمن دوامة من العنف وحالة احتراب تكاد لا تتوقف لحظة واحدة بين وكلاء السعودية بمسمى الشرعية المزعومة وانتقالي الإمارات، لدرجة يصعب التنبؤ بحدود الصراع وزمانه ولا بتداعياته على المستوى المحلي والاقليمي.
ما يبدو واضحًا في مشهد يعج بالمتناقضات التي تشكل مادة فعالة لإشعال النزاعات وتغذية الصراعات هو أن مصطلح «الشرعية» لم يعد برّاقًا وجذابًا كما كان طيلة سنوات غاصت فيها الحرب الظالمة على اليمن في بحر من تضليل المصطلحات والعناوين لشرعنة وتبرير العدوان وإعطائه بعدًا داخليًا لتهيئة الساحة اليمنية لمشروع التقسيم والأقلمة الأمريكي بأبعاده الطائفية والمناطقية.
بسقوط الرهان على الوكلاء في اليمن عمومًا دخل الأصلاء على خط الصراع بمستوى أوسع مما مضى
وتكريسًا لهذا المشروع واستنادًا للغطاء الأمريكي، لم تتأخر الإمارات كثيرًا في التعقيب على اتهامات حكومة الفار هادي بشنها غارات على قواتها في نقطة العلم بعدن وتسببها في قتل وجرح المئات من مجنديها حيث تبنت أبو ظبي الهجوم وبمنتهى التغطرس. كما صنفت قوات من ادعت في يوم حمايته والدفاع عنه بأنها عناصر «إرهابية» وهو أمر يضع الجنوب أمام فصل جديد من صراع تتغير فيه العناوين وخرائط السيطرة والنفوذ بين يوم وآخر تحت قاعدة «فخار يكسر بعضه».
وبسقوط الرهان على الوكلاء في اليمن عمومًا، دخل الأصلاء على خط الصراع بمستوى أوسع مما مضى. وبخلاف الإمارات التي انفردت بمواقفها واختارت الانحياز المطلق لأدواتها وتشكيلاتها المسلحة رغبة في إعادة رسم الخريطة الجيو – سياسية في اليمن بما يتفق مع مصالحها، وجدت السعودية نفسها أمام خيارات محددة، تتراوح بين المراقبة عن بعد والوقوف مكتوفة الأيدي تجنبًا للاصطدام مع حليفها الرئيسي في تحالف عدوانها وبين التخلي عن أولويات مواجهة تدرك مخاطرها على خارطة تحالفاتها داخل اليمن وتأثيراتها على عمقها الاستراتيجي.
وتجنبًا للسيناريو الأخير، ومنعًا من انهيار خطوط الدفاع السعودية، تنتهج الرياض سياسة التهدئة وإدارة الصراع بين الأدوات، وفي الوقت نفسه تعمل على استثمار وتوظيف هذا الموقف في سياق خيارات مضادة لاحتواء وتقويض النفوذ والهيمنة الإماراتية، في معركة جديدة تتضح ملامحها أكثر فأكثر.
ودون الأخذ بالاعتبار مصالح الوكلاء المحليين تصر الإمارات على ضرورة إزاحة جماعة حزب الإصلاح «الإخوان المسلمين» من المشهد وتعمل في سباق مع الزمن جنوبًا لقطف الثمرة وتقاسم النفوذ والغنائم مع السعودية على أن تنال الحصة الأوفر باعتبارها من تدير وتمول غالبية التشكيلات المسلحة في حين تبدي الأخيرة تمسكًا بالإخوان لتحجيم الدور الإماراتي ولحاجتها إليهم في تفويج المجموعات المسلحة إلى حدودها الجنوبية.
إن كانت الأهداف السعودية الإماراتية تتقاطع أحيانًا وتتعارض في كثير من الأحيان فلا يوجد ما يتفق عليه وكلاؤهم في الداخل سوى الخنوع والتبعية
وفي مواجهة الاندفاعة الإماراتية التي تحظى بدعم أمريكي على ما يبدو وفق قراءة كثير من المراقبين لرفض المتحدثة باسم وزارة الحرب الأميركية التعليق على استهداف الإمارات لقوات الفار هادي واشارتها في المقابل إلى حق أي دولة في الدفاع عن مصالحها، في مواجهة ذلك، اضطر النظام السعودي إلى تجاهل استغاثات ونداءات وكلائه في الميدان ودعواتهم لإنهاء المشاركة الإماراتية في التحالف المزعوم معللا ذلك بضرورة الحوار لحل الخلافات وتصحيح المسار.
وإن كانت الأهداف السعودية الإماراتية تتقاطع أحيانًا وتتعارض في كثير من الأحيان، فلا يوجد ما يتفق عليه وكلاؤهم في الداخل سوى الخنوع والتبعية العمياء للخارج وتسابق كل طرف من هذه الأطراف لتقديم نفسه حصان طروادة للدخول إلى صنعاء والوكيل الحصري لاستكمال معارك الرياض وأبو ظبي العابرة للحدود والعابرة للقارات أيضًا، وذلك ليس ادعاءً أو نكتة سخيفة بل حقيقة عبر عنها نائب رئيس «المجلس الانتقالي» هاني بن بريك بما أبداه من جهوزية واستعداد مليشياته لتقديم المساعدة لقوات حفتر المدعومة إماراتيًا في ليبيا.
وفي ظل الحديث عن رغبة أمريكية في فتح قنوات اتصال مباشرة بين السعودية ومن أسموهم «الحوثيين» في مسقط لوقف الحرب، وبما أن هادي ينظر إليه في العواصم العالمية على أنه عقبة للمحادثات، وبالتالي يجب تهميشه للدفع بعملية السلام وفق صحيفة «وول ستريت جورنال» يبدو الجانب الإماراتي في عجلة من أمره لإنجاز المهمة وتحقيق ما يمكن تحقيقه من الأهداف الأمريكية في اليمن ولو كان ذلك على حساب التحالف الاستراتيجي مع المملكة.
وصحيح أن الانقسامات بين الحليفين السعودي والإماراتي في اليمن من شأنها أن تقلق البيت الأبيض الذي استثمر قدرًا كبيرًا من سياساته في الشرق الأوسط وعول كثيرًا على هذا التحالف لتمرير أجنداته في المنطقة لكن ذلك بالنسبة لإدارة ترامب مدخل مناسب للابتزاز واستدرار الأموال بالمثل كما حدث في التعامل مع الأزمة القطرية.
وفي النتيجة فإن شكل الصراع في المحافظات الجنوبية يتحول شيئًا فشيئًا من صراع داخلي واضح المعالم والأهداف بين الوكلاء إلى صراع بين الأصلاء قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انفراط عقد تحالف العدوان وإعادة رسم خارطة التحالفات السياسية لليمن بشكل كامل.