حالة العداء القائمة بين أنصار الله والولايات المتحدة الأمريكية هي من ناحية أنصار الله ثقافة قرأنية وموقف لا يمكن التراجع عنه بأي حال من الأحوال، ومن ناحية الأمريكان هي مشكلة وجودية وليست سياسية أو دينية.
ولكن فشل التحالف السعودي الإماراتي في تحقيق أهدافه خلال أعوام العدوان الأربعة الماضية دفع واشنطن إلى الواجهة عسكرياً، من خلال مشاركة «البنتاغون» بشكل علني في معركة الساحل الغربي بالعام الخامس نتيجة لدراسات وأبحاث أمريكية كانت تقديراتها أن التدخل الأمريكي المباشر سيحسم المعركة وينهي القصة بسيناريوهات مختلفة تخرج السعودية والإمارات من الورطة التي أدخلتهما فيها واشنطن وسياسات البيت الأبيض.
عندما خابت الظنون وفشلت المخططات الأمريكية وصمدت «الحديدة» وأهلها وبقي «الساحل الغربي» يمنياً لا أمريكياً، كان لا بد لواشنطن أن تغير خطتها واستراتيجيتها في اليمن. وصرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أن بلاده تجري محادثات مع أنصار الله وحكومة المجلس السياسي الأعلى.
المحادثات التي بدأت فعلاً في مسقط توحي لنا أن الحرب أوشكت على أن تضع أوزارها، ولكن السؤال المهم في هذه المرحلة. كيف ستكون سيناريوهات الحل، لاسيما وأن الأمريكي ليس وسيطاً وإنما هو صاحب العلامة التجارية للعدوان على اليمن، وهو معني بالدرجة الأولى بإخراج نفسه من هذه «الورطة» ومساعدة السعودية والإمارات على الخروج بأقل الخسائر؟ أما أنصار الله فيتعاملون معه بحذر شديد نتيجة لمعرفتهم السابقة بحيله ومكائده وغدره.
قد يكون حزب الإصلاح «الإخوان المسلمون» هم «كبش الفداء»، في حال لم ينقذوا أنفسهم في الربع الساعة الأخيرة، وهم الآن بين خيارين لا ثالث لهما.
إما الاستمرار في التبعية والارتهان للرياض وانتظار المصير المجهول أو المغادرة إلى أي بلد يقبل بهم أو حتى إلى محافظة «مأرب»، وتحديد موقف جديد من «التحالف» يعيد ترتيب البيت الإصلاحي وفقاً للخارطة الجديدة ليمن ما بعد المصالحة. وفي حال أنقذ الإصلاح نفسه أو تحالف مع الأنصار قد تكون شرعية «الدنبوع» وحكومته هي «الشماعة» التي ستعلق عليها كل أسباب ونتائج الفشل الذي وصل إليه التحالف، وتطوى صفحتها بمصالحة يمنية تتجاوزها وتجمع بقية اليمنيين على مصالحة وطنية، وفقاً لتقسيم جغرافي جديد يثبت تواجد كل فريق على الأرض التي يسيطر عليها مع بعض التعديلات شمالاً وجنوباً.
يبقى الخطر الأكبر والتحدي الأعظم هو مشروع «التقسيم والانفصال»، فخروج الإصلاح من المعادلة السياسية سيدفع بـ»الانتقالي» إلى الاستفراد بالساحة الجنوبية. وهنا الاستفراد بحقيقته للإمارات التي تعمل وفقاً للرغبة الأمريكية في التمهيد «للانفصال». وإذا خرج «الدنبوع» وحكومته من المعادلة فستدفع الإمارات أتباعها إلى تصفية وتهجير ما تبقى من قواعد حزب الإصلاح من محافظات الجنوب والاستفراد بالأرض. وهنا مشكلة أخرى باصطدام المشروع الأمريكي الإماراتي «الانفصالي» بالجنوبيين «الوحدويين»، وربما تذهب الأمور باتجاه الحرب الداخلية، ولا ندري كيف سيكون موقف فصائل الحراك الجنوبي الأخرى غير الموالية للإمارات والمسلحة أيضاً ولديها ارتباطات خارجية وإقليمية.
للخروج من هذا المأزق، هناك سيناريوهان الأول فرض «أنصار الله» للوحدة بمزيد من الضربات للرياض وأبوظبي وربما مواقع أخرى تهم واشنطن و»تل أبيب» في البحر، والثاني هو الاصطفاف الوطني للقوى المناهضة للتحالف والمتضررة منه في الشمال والجنوب للحفاظ على وحدة اليمن وسيادته على كل أراضيه.
الأسابيع القادمة، وربما الأشهر الأخيرة من هذا العام، ستكشف بوضوح عن السيناريوهات المطروحة وصفقات الحل التي يجري نقاشها، وسيعرف اليمنيون من الذي يتمسك بالوطن وسيادته وكرامة مواطنيه ومن سيركض وراء مشاريع التقسيم لتحصيل فتات ووعود ممن لا يملك لمن لا يستحق.