تزامنًا مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام (2019)، ارتكب طيران تحالف العدوان على اليمن مجزرة مروعة بحق 16 شهيدًا معظمهم من النساء والأطفال، جراء غارة استهدفت منزل مواطن في محافظة الضالع، مديرية قعطبة، لتضاف الى مجزرة أخرى في منطقة السواد بمحافظة عمران، استشهد فيها 7 مواطنين بينهم نساء وأطفال من أسرة واحدة أثناء مطاردتها داخل أحد المساجد بعد أن هربت من خيمتها بسبب غارات العدوان في المنطقة.
صحيح أن هذه المجازر ليست جديدة هذا العام، وهي ليست مختلفة عن ما سبقها، كونها تأتي ضمن مسار متواصل من المجازر المروعة التي تستهدف بشكل خاص أطفال اليمن للسنة الخامسة على التوالي، حيث تلاحقهم قاذفات أم 16 وأف 15 الأميركية الصنع في المدارس والمساجد والمراكز الطبية والمنازل الفقيرة والخيم وساحات البلدات النائية، ولكن اللافت هذا العام أنها تأتي متزامنة مع اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، لتضيء بشكل صارخ على المسؤولية المباشرة لهذه الجمعية الأممية عن تلك المجازر.
نعم، نستطيع أن نقول إن للأمم المتحدة مسؤولية مباشرة عن هذه المجازر، كونها تحدث على مرأى ومسمع ومعرفة مؤسسات هذه الجمعية الاممية للعام الخامس على التوالي، وهي ( الامم المتحدة حسب القانون الدولي الجنائي، مدانة أكثر من دول تحالف العدوان التي تنفذ هذه المجازر، كونها المسؤولة الرئيسية عن حفظ وفرض القانون الدولي وحماية الدول والشعوب وخاصة الضعيفة منها، وكونها ايضا متقاعسة ومتواطئة وتغض النظر للسنة الخامسة على التوالي، وتتهرب من مسؤوليتها في وقف هذه المجازر، وتعتبر أن لا علاقة لها بوقف هذه الحرب الشعواء التي تجاوزت الحدود العادية والطبيعية والقانونية والتاريخية للحروب والمواجهات العسكرية، في مخالفة القوانين الدولية وقانوني الحرب والقانون الانساني الدولي.
في افتتاحية الجمعية لهذا العام، قال الأمين العام انطونيو غوتيريش: “إننا إذ نقف اليوم على مشارف الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة، وهي أهم أداة يمتلكها العالم لتحقيق التقدم المشترك، فإن مقاصدنا ومبادئنا المشتركة لا تزال تحظى بنفس القدر من الأهمية. وقد تمكنت المنظمة، القائمةُ في جوهرها على روح التعاون الدولي، من تحقيق فوائد عظيمة وواسعة النطاق للبشرية، فانتشلت الملايين من براثن الفقر، ودعمت حقوق الإنسان، وساعدت على إقامة السلام في مناطق مضطربة..”.
عمليًا، أين هي هذه الفوائد العظيمة التي تحققت على نطاق البشرية في انتشال الملايين من الفقر وفي دعم حقوق الانسان وفي اقامة السلام في مناطق مضطربة؟ وهل يعتبر الأمين العام أن اليمن دولة أو وطنا أو أرضا أو شعبا خارج هذا العالم وفي الفضاء الخارجي؟ ألا يخجل من النطق بهذه العبارات بنفس الوقت الذي تنفذ فيه قاذفات سعودية أميركية مجازر مروعة بحق عشرات الأطفال اليمنيين؟
ألم يلاحظ سعادته أن مبادىء الأمم المتحدة تسحق اليوم أمام المجازر السعودية في اليمن وبتغطية واسعة وكاملة من الدولة المضيفة الدائمة للجمعيات العامة للامم المتحدة في عاصمتها نيونيورك؟ وهل لم ينتبه سعادته أن هذه الحرب المجنونة لا تحظى بأية لفتة، لا قانونية ولا حتى انسانية، من منظمته، والتي كان أساس وجودها تحقيق أو فرض السلم الأهلي وحماية حقوق الانسان وسعادة الشعوب وخاصة الاطفال؟
لم تكن أبدًا أهداف الأمم المتحدة حمايةَ النفط والغاز، بل كانت أهدافُها حماية سيادة الدول والشعوب والاطفال وحقوق الانسان، وها هي اليوم تنقلب على أهدافها وعلى مبادئها، مُسَخِّرة قدراتها وإمكانياتها العالمية لحماية استراتيجيات ومصالح الدول القادرة التي تديرها وتوجهها، وبالأمس سقطت الأمم المتحدة وسقطت المبادىء والمفاهيم التي أُسست لأجلها سقوطًا عظيمًا، عندما اجتمعت تحت شعار “أغصان الزيتون رمز السلام”، في نفس الوقت الذي كانت تتناوب فيه قاذفات القتل والدمار والاجرام على تجمعات الأطفال اليمنيين. وبدل أن يقولوا في تلك الاجتماعات إن سبب استهداف “أرامكو” هو ما يصيب أطفال اليمن من مجازر، خصصوا أغلب دراساتهم ونقاشاتهم لمحاولة البحث عن حماية النفط والغاز ومصادر الطاقة لدولهم ومؤسساتهم الصناعية، والتي تهتم فيما تهتم بصناعة الأسلحة الفتاكة.
وأخيرًا، ليتعلموا جميعًا من اليمنيين، بما فيهم الامم المتحدة والدول المعتدية الغربية والاقليمية، كيف تكون حماية الأطفال في الحروب والمعارك، حيث لم يسقط حتى الآن أي طفل سعودي في أية عملية استهداف داخل المملكة، وذلك على مدار خمس سنوات وخلال آلاف العمليات التي نفذتها حتى الآن وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية داخل العمق السعودي، بينما نجد أن السلاح الأميركي بيد السعوديين، لا ينجح الاَّ في قتل أطفال اليمن.