تأخرت متعمداً عن الكتابة حول (وعي وقيم ومشروع) كلمة فخامة رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط التي أعلن فيها تبني الدولة محاربة الفساد، السبب في هذا التأخير لعل وعسى أن أجد مقالا من أحد الكتاب المثقفين يشرح للناس ماهية الوعي الذي يريد أن يحكم من خلاله رجال المسيرة القرآنية مؤسسات الدولة، أو توضيح لسمو قيم المسؤولين الذين تربوا على منهج المسيرة القرآنية وحرصهم على تطبيقها في إدارة عملهم ومهامهم ومسؤوليات مناصبهم ووظائفهم في مؤسسات الدولة، أو حتى تقديم شرح مبسط عن رؤية مشروع المسيرة القرآنية في إدارة الدولة وخدمة المواطن.
ببساطة وبعيداً عن جدلية "البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة"، ومهما كانت القراءات لكلمة الرئيس المشاط، أو تفسير أبعادها السياسية، فإني لم أر فيها سوى صورة كاملة لما يريد رجال المسيرة القرآنية (أنصار الله) أن ينقلوه للشعب اليمني، وهي أن يعي الشعب اليمني أن هذه الصورة فيها ثلاثة وجوه واضحة المعالم تمثل (وعي - قيم - مشروع) قيادة ونظام ومسؤولي المسيرة القرآنية، من التزامهم بوعي يحترم ويقدر أساليب التعامل مع المواطن اليمني، وتمسكهم بقيم وأخلاق لإدارة شؤون المواطن اليمني، وتمسكهم بتنفيذ مشروع يخدم عزة وكرامة وسيادة واستقلال المواطن اليمني.
كلمة المشاط، لمحاربة الفساد، توضح سمو ورقعة الالتزام الديني والقيمي والسياسي لرجال المسيرة القرآنية، كون قيادة اليمن الحرة والشريفة هي اليوم من وإلى أنصار الله، وهذا الالتزام يوضح أن هذه القيادة لديها رؤية مختلفة عما كان قبلها من أنظمة حكم لليمن، هذه الرؤية تتناسب كليا مع هوية الطموحات والآمال التي يرغب في تحقيقها على الواقع كل يمني، من خلال وجود نظام يمني حر ومستقل القرار، نظام يمني يملك الوعي بهدى الله ويتعامل من خلال القيم المنبثقة من كتاب الله، وينفذ المشروع الذي يمنح كل يمني القوة والهيبة والعزة والكرامة والسيادة والاستقلال.
قرار الرئيس المشاط إعلان مكافحة الفساد يدلل لنا أن الأنظمة السوية مسؤولة عن مشاكل الدولة وليس الشعب، وأن مسؤولية الشعب هي دعم ومساندة رجال الدولة الخيرين ونظامهم السوي، لسبب بسيط جدا، وهو أن النظام لديه السلطة التي يستطيع من خلالها أن يجبر الضالين في المجتمع على إطاعة القانون والالتزام بالضوابط المتفق عليها في العقد الاجتماعي لتوليه السلطة..
وهنا يجب أن نقول لفخامة الرئيس إن الناس وصلوا إلى مرحلة لم يعودوا يثقون فيها بالكلام السياسي عن مكافحة الفساد دون تطبيق عملي على أرض الواقع، وأن الفاسد والمرتشي والبلطجي لا يفسد ولا يرتشي ولا يتبلطج إلا إذا كان يملك السلطة ودعم النظام الحاكم، وإن حدث ذلك فهو تقصير من النظام الحاكم، لأنه عندما يسرق أحدهم أو يقتل أو يُفسد، على الشعب أن يسأل: أين الدولة هنا؟! ولماذا لا تواجه هذه الحالات المحتمية بالنظام، حتى لو كانت بالملايين؟!
فخامة الرئيس، إن المواطن عندما يرى الدولة تطبق القانون على الكل سوف يلتزم، فالدول المتقدمة لم تصبح متقدمة بحسن نوايا شعوبها، الشعوب هذه كلها كانت متخلفة وفي وضع مزرٍ، لكن مع التزام الجميع بالنظام وقيام كل منهم بدوره وواجبه، تتعود الشعوب على الالتزام، النظام هو المسؤول عن الأخطاء التي تنتج الفساد، عندما يتعامل بانتقائية مع أفراده والمقربين منه ويتجاوز عن أخطائهم، ودولة القانون لا تكون دولة قانون في ظل وجود المتمايزين والمقربين وأصحاب الحظوة، يعني أن النظام مطالب بأن يكون أول الملتزمين بالنظام والقانون قبل إلزام الشعب، وقتها تستطيعون أن تلمسوا، كقيادات، الفرق في دعم ومساندة الشعب لقراراتكم.
سيدي الرئيس، لقد خلقتم في كلمتكم هذه وفي قراركم هذا أكبر ساحة للحوار لبناء اليمن الجديد، أنتم اليوم التزمتم بأن تتحاوروا مع كل يمني على حدة وعلى طول البلاد وعرضها، وأن آية الحوار الصحي في هذه الحالة يا فخامة الرئيس هي الالتزام بموضوعه وجوهره، والانضباط في منطقه، وعدم الخلط بين ما هو موضوعي وما هو انطباعي، وإتقان فن التعامل الواعي مع البعيدين عن عين وقلب النظام الحاكم، والتحلي بالاحترام في المعارضة والمخالفة للآراء الأخرى، واستهداف الحقيقة حتى لو تعارضت مع ما نعتقده، وغير هذا فإنكم لم تفتحوا للناس سوى مساحة أكبر للمشاجرات الكلامية والتلاسن والتباغض والأحقاد واليأس والإحباط، ومساواة أعظم نظام يملك وعياً وقيماً ومشروعاً، بأتفه الأنظمة التي لا تمتلك وعياً ولا قيماً ولا مشروعاً..