خطوة جبارة التي أقدم عليها رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، لمكافحة مظاهر الفساد والابتزاز والرشوة والاستغلال لاحتياجات المواطنين، وعلى الرغم من تأخر هذه الخطوة كثيراً، لكن أن تكافح الفساد متأخراً خير من أن تراه ينخر مؤسسات الدولة وأنت «ساكت ومدعمم تتفرج»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفساد في مؤسساتنا الحكومية أصبح «معتقاً» وجذوره ضاربة في الأعماق، ولن تستطيع الرئاسة وحدها أو رئاسة الحكومة أن تفعل شيئاً إذا لم نكن شركاء جميعاً في هذا المشروع التصحيحي الهام، بالذات في هذه المرحلة ومرحلة ما بعد انتهاء العدوان والحصار.
طوال المرحلة السابقة وسنوات العدوان الخمس «عاث» الفاسدون بالمواطنين وتعبثوا بهم وهم عارفين أن قيادات البلاد مشغولة بالجبهات ومواجهة العدوان، ليدفع المواطن ثمناً باهضاً ومريراً لأفعال هؤلاء العابثين، وبسبب حكومات الفساد المتعاقبة كان الناس قد نسوا «حكاية» مكافحة الفساد، وتعايشنا مع الأمر كما تتعايش الأسرة مع ابنها المصاب بمرض خبيث بعد أن تفقد الأمل بعلاجه.
وعلى الرغم من أن بصيص الأمل الذي كان يشرق خلال فترة حكم الرئيس صالح الصماد اختفى وانتهى بعد أن اغتالت دول العدوان السعودي الأمريكي الرئيس الشهيد، إلا أن الرئيس المشاط أعاد الأمل للبسطاء الذين ضاقوا ذرعاً بأعوان العدوان المغروسين في كل مؤسسات الدولة، وكل المكاتب الحكومية والخدمية، وكثير من الناس اعتبروا أن خطوة المشاط بمثابة مد جسر جديد لإعادة العلاقة بين الشعب والسلطة، ولازالت هذه الخطوة بحاجة الى خطوات أخرى تعطي المواطنين جرعة ثقة وأمان لكي يضعوا أيديهم بأيدي الدولة للتعاون في مواجهة آفة الفساد المستشرية...
يعني مثلاً لما تتقدم أسرة يمنية بشكوى ضد إحدى المؤسسات الأمنية التي اعتقلت أحد أفراد هذه الأسرة بدعوى كيدية وتهمة باطلة لا أساس لها من الصحة، وأودعته السجن ظلماً، هل ستقف السلطة الرسمية ومؤسسة الرئاسة وهيئة المظالم مع المشتكى عليه (الجهة الأمنية) ولازال البعض مع الأسف ينظر إليها باعتبارها جهة «مقدسة»؟ أم ستقف إلى جانب الضحية والأسرة التي تبحث عن أمل جديد بالعدالة؟
أمر مكافحة الفساد يحتاج إلى قلب قوي وسلطة أقوى لا تأبه بالحسابات السياسية أو القبلية أو الاجتماعية، الفاسدون يحتمون بكثير من العناوين الرئيسية والفرعية، ولديهم قائمة اتهامات جاهزة يوزعونها على كل من يحاول زعزعة امبراطورياتهم، ليس أقلها أن الضحية المشتكي عميل ومرتزق ومدسوس ومرجف أو ربما داعشي إرهابي إذا استدعى الأمر، وهنا يتساءل الكثير من الناس عن الضمانات التي يجب أن يحصلوا عليها من عدم تعرضهم للتنكيل من قبل الفاسدين، مع التركيز على أن مواجهة الفساد في هذه المرحلة أمر حساس جداً لأن العدو يتربص بالبلاد شراً، وما نراه في الشارع العربي من فوضى الاحتجاجات يراد نقله إلى بلادنا لكي يتسنى لدول العدوان الخروج بسلام، فيما نغرق نحن ووطننا بالفوضى، ويحقق الأمريكان بشعارات الديمقراطية ما عجزوا عن تحقيقه ببارود الصواريخ والقنابل طوال 5 أعوام.