الثورة الحقيقية ليست تلك التي تصنعها المؤامرات والدسائس وفبركات التواصل الاجتماعي والذباب الإلكتروني، وليست نتاج جعجعة وبلطجة وعفشنة اللصوص الذين يصنعون معاناة الناس ويركبون موجة احتجاجاتهم أو ثورتهم ، ولا دعشنة القتلة باسم الإسلام، والطريق إلى الثورة التي توصل تحقيق ما يريده الشعب ليس مصنوعا من الحرير، ولكنها الضرورة التي تتخلق من رحم معاناته يلتقطها ثوار حقيقيون ولا تسمح لتجار السياسة ومقاوليها بتسلقها، وهي كيان حي من لحم ودم .
إنها شرارة تولد مع الإفساد الذي يمارسه الحكام والمحكمون وتمتد نارها مع الإهمال والتسيب واللامبالاة ثم تكبر شعلتها فإذا حملها ثوار أُمناء ومضوا نحو تحقيق أهدافها فإنها تصل إلى طريق النجاح وطريق النجاح ليست إطارا مقفلا ولا صمّاء أو حدثا وقع في يوم تأريخي يُحتفى به موسمياً، لكنها مسار متعدد الأبعاد دائم الحيوية والخلق والإبداع والبناء يلمسه ويحسه المواطن في حياته رغيف عيش معجون بالكرامة والكبرياء والحرية.
لا مكان للحريريين والمعفشين في حياة أي ثورة لأنها ليست مشروعا للمقاولة والاستثمار السوقي.
مستثمر الثورة هو الشعب الصابر المجاهد المتسلح بالوعي والثبات على طريق مقاومة الظلم والاستبداد والمتمسك بالحق والحق نظرياً كلمة هُلامية ولكن الثورة الحقيقية تنقله من النظرية إلى برنامج عمل في مختلف المجالات ينهض بها ثوارٌ أمناء على مستوى المسؤولية .
والفرق بين ثورة الإنسان وثورة الطبيعة أن ثورة الطبيعة محكومة بإرادة الخالق ونواميس الكون.
أما ثورة الإنسان ضد الظلم والاستبداد وطغيان الإنسان ضد أخيه الإنسان فإن الله جعلها محكومة بعقل الإنسان الذي عليه أن يجتهد لإنجاحها من خلال البحث عن التوازن بين الحاجة والضرورة الإنسانية لضبط إيقاع حياته وتعايشه مع بقية البشر ومع الكون من حوله وجعلها من ابتداء اكتمال إرادته ووعيه رسالة ينبغي أن يُجدَّ فيها لضبط إيقاع المصالح المتضاربة والتفريق بين المشروع وغير المشروع منها فيرفض غير المشروع ويمنعه ويحمي المشروع من هذه المصالح ويشجعه؛
والتوازن بين المصالح يقتضي التفرقة بين الثورة وبين الفوضى ، ولهذا نلاحظ أنّ للثورات أهدافا ورؤى هي أولاً حجة على الثوار الحقيقيين وأمانة في أعناقهم ، وهي ثانياً مشروع مجتمعي يتطلب التعامل معه على أنه حق لكل مجتمع لا يجد طريقه نحو التغيير بالوسائل العادية لتحقيق المصلحة العامة وليس مصالح من يعمل للاستحواذ على مزايا السلطة باسم الثورة فذلك من عمل العصابات وطريق إلى الفوضى ، عوامل إنجاح المشروع المجتمعي للثورة وطنية بحتة نابعة من داخل المجتمع نفسه وليس من خارجه أي أن استقواء أي طرف محلي بالخارج ضد طرف آخر لإحداث تغيير أو ثورة أو للحفاظ على نظام يخدم أجندة المتدخل الخارجي عمل غير مشروع ومجرّم قانوناً وشرعاً وأخلاقاً.
ولا يوجد في حياة اليمنيين اليوم عمل أكثر صفاقة ونذالة من التبعية للسعودية والإمارات ومن يدعمهما في العدوان على اليمن !؛
وبالمقابل لا يوجد عمل أكثر شهامة والتصاقاً واتصالا بالحرية والثورة والكرامة من مقاومة هذا العدوان السعودي الإماراتي الموجه أمريكياً وصهيونياً هذه المقاومة الأسطورية لابد أن ينظر إليها على أنها بداية ثورة حقيقية على كل مخلفات النظام الذي هيأ اليمن لهذا العدوان وصنع من بعض النخب السياسية أذناباً له ومعهم جيش من المرتزقة والمغرّرْ بهم.
هذه هي البداية للثورة التي تستوجب شحذ الهمم استعداداً لمرحلة بناء حقيقي لنظام يليق باليمن إنساناً وأرضاً وكياناً يعبر عن طموحات هذا الشعب العزيز الصابر المجاهد وهو الخيار الأقل من الطبيعي لأي شعب يتعرض لمثل هذا العدوان ، وحين أقول الأقل من الطبيعي فإني أقصد أن أي حيوان يتعرض لهجوم حيوان آخر لابد أن يدافع عن نفسه ووجوده بحكم الغريزة والإنسان يتميز عنه بالعقل إلى جانب الغريزة أو هكذا يفترض ، ولهذا نجد الإنسان الذي يعتز بكرامته يدرك أنه في ظل هذه الوحشية المنظمة المقننة التي تلوي عنق القيم والمبادئ الدولية ومبادئ العدالة لابد أن يبحث عن وسائل وأساليب منظمة وواعية لمواجهة ومقاومة هذا النفاق الدولي وكشفه وامتلاك الأسلحة والوسائل الرادعة للوحوش المتلاعبين بكل المبادئ الذين يستخدمون بعض المصطلحات والقيم لإشباع غرائزهم ونهمهم في امتصاص دماء البشر دون رادع أو ذرة من شعور بالإنسانية ومعانيها ؛
بدون التمسك بالحرية والاستقلال والسيادة يصبح الحديث عن أي ثورة حديث بلا أي معنى!!؛
الحيوان المسلح بالغريزة أفضل وأكرم وأشرف من كائن على شكل إنسان يدعي الثقافة وهو مضيع العقل فاقد البصيرة يستخدمه العدوان في احتلال وطنه والتنكر لواجبات الدفاع عنه ويتلاعب بسيادته وكرامته ويملي عليه ما يفعل في وطنه وبمن يتصل وعمن ينفصل، بل أيّ حيوانية أدنى من هذا؟؟!
الأرضُ المسمّدة بدماء الأحرار
تبزغ فيها شجرة الحرية قوية سامقة
أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء.