في النظام الحاكم بالسعودية نشأ لوبي متكتل شللي منذ وقت مبكر في أيام الملك سعود بن عبدالعزيز (تولى الحكم من 1953 إلى 1964)، وتمثل هذا اللوبي في السديريين السبعة ومن حولهم.
والسديريون هم سبعة من أولاد عبدالعزيز من أم واحدة من قبيلة سدير، وهم فهد وسلطان وتركي الثاني ونايف وعبدالرحمن وسلمان وأحمد، بحسب ترتيبهم العمري.
وهذا استثناء في أولاد عبدالعزيز الـ34 (الذكور، غير الإناث)، حيث كانت عادته أن يتزوج المرأة فينجب منها طفلا أو طفلين ثم يطلقها ويتزوج غيرها.
فلما كانوا في أيام أبيهم عبدالعزيز لم يظهروا، فلما تولى بعده أخوهم سعود بدؤوا في التكتل، ووقفوا مع فيصل في محاولة الانقلاب على سعود، والتي نجحت سنة 1964.
وأحس بعدها فيصل (1964 - 1975) بخطر تكتلهم ورغبتهم في السيطرة على كل شيء، ابتداء بفهد الذي تولى الداخلية بوساطة أمريكية لأنه درس هناك، وسلطان الذي تولى الدفاع بحكم السن، وتركي نائبه، وسلمان أمير الرياض.
ولم يكن لفيصل إخوة أشقاء، وأمه من آل الشيخ فقرر أن يعين ولي عهد من خارجهم، وهو خالد (وله شقيق واحد اسمه محمد). كما قرر أن ينشئ جهازا عسكريا قبليا خارج وزارة الدفاع يسلمه لشخص من غير السديريين ليحدث توازنا، فأنشأ الحرس الوطني وسلمه لعبدالله وجهزه بقوات ضاربة.
هذه الخطوات في إضعاف لوبي السديريين ومن حولهم ربما كانت سببا من أسباب حادثة الاغتيال التي تعرض لها فيصل سنة 1975.
ولما تولى خالد (1975 - 1982) كان ضعيفا وسلم زمام أمره للسديريين تماما ليتحكموا في الدولة، فكان فهد وليا للعهد، وعين سلطان وزيرا للدفاع وعبدالرحمن نائبا له بعد مرض تركي شقيقه، ونايف وزيرا للداخلية بدله، و استمر سلمان أميرا للعاصمة الرياض.
ثم جاءت فترة فهد (1982 - 2005) والتي تميزت بالسيطرة التامة للوبي السديري على الدولة، والذي لم تكن أمامه إلا مشكلة عبدالله، التي غرسها الملك فيصل قديما.
تولى عبدالله ولاية العهد بالقوة بسبب الحرس الوطني، القوة الضاربة التي بيده، وإلا فقد كان السديريون في أيام خالد قد بدؤوا في تجاوز شرط أقدمية السن في أولاد عبدالعزيز.
ولما كان عبدالله الأقدم بعد فهد وصاحب قوة عسكرية فقد فرض نفسه فرضا، وحصلت عدة تحديات وبداية مواجهات في أيام فهد لإبعاده، ولكنه صمد أمامها، وكان يخرج وحدات الحرس الوطني لشوارع الرياض أحيانا.
والحرس الوطني هو مليشيا قبلية نظامية، كل فرقة منها تنتمي لقبيلة معينة، ففرقة لقبيلة عتيبة وأخرى لقبيلة مطير وثالثة لقبيلة حرب ورابعة لقبيلة عنزة... وهكذا.
وقد حاول بعض الكتاب في فترات معينة الدعوة إلى حل الحرس الوطني ودمجه بالجيش، باعتباره يمثل خطرا على الدولة وتكتلا ينافي المدنية، ولكن كل ذلك كان لا يمكن تمريره بوجود عبدالله، ولي العهد ورئيس الحرس الوطني.
تولى عبدالله الصلاحيات في آواخر أيام فهد لمرضه الذي أقعده، ثم تولى رسميا بعد موته (2005 - 2015)، واكتفى بالسلطة الأولى ولم يحسن إدارة فكفكة اللوبي السديري، رغم كل الفرص التي أتيحت له.
وبعد رحيله عبث السديريون بكل شيء، وسجنوا أولاده وأخذوا أموالهم وعزلوهم من كل مناصبهم تقريبا.
من الفرص التي أتيحت لعبدالله: وفاة سلطان ولي العهد ووزير الدفاع، ووفاة عبدالرحمن نائب وزير الدفاع قبله، وبدل أن يستغل الفرصة التاريخية فيعين شخصا من خارجهم، قام بتعيين شقيقهم سلمان وزيرا للدفاع بسذاجة مفرطة.
ثم صار نايف وليا للعهد وزيرا للداخلية وعين شقيقه أحمد نائبا له في الداخلية. وجاءت فرصة جديدة لعبدالله بموت نايف بالسرطان، وخلو منصب ولي العهد، ليقوم بتعيين سلمان وليا للعهد، ومحمد بن نايف وزيرا للداخلية!!
يبدو أن سلمان كان متقربا بطريقة ماكرة من عبدالله، ولذلك كان محل ثقته في كل التعيينات الحساسة.
ولكن وبمجرد موت عبدالله قام سلمان بإعطاء ابنه محمد كامل الصلاحيات لإهانة أبناء عبدالله وطردهم، فأقال متعب بن عبدالله من قيادة الحرس الوطني وسجنه بتهمة الفساد، وأقال تركي بن عبدالله من أمارة الرياض (الذي تولاها بعد تعيين سلمان وزيرا للدفاع) وسجنه، وأقال مشعل بن عبدالله أمير منطقة مكة (وتشمل محافظات مكة وجدة والطائف)، وكله بسبب غباء أبيهم وتردده، وعدم تعامله بإيجابية في اللحظات التاريخية التي توفرت له.
في عهد سلمان تغيرت الأمور، وانتهى دور اللوبي السديري بالسيطرة على كل شيء وانتهاء المنافسين، ليبدأ اللوبي السلماني، والذي بدأ بإقصاء السديريين أيضا، ابتداء بالشقيق الأخير لسلمان وهو أحمد بن عبدالعزيز، مرورا بالرجل القوي محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الداخلية.
*نقلا عن #لا_ميديا