لعل البعض يعتبر أن دخول اليمنيين في الإسلام بسرعة يعتبر قرارا غير مفهوم، ولكن بمعرفة الأسباب سيزول هذا العجب تماما. لقد كان اليمنيون ينتظرون هذه الرسالة منذ عصور! نعم، والدليل على ذلك ما بشر به ملك اليمن سيف بن ذي يزن جد الرسول عبدالمطلب من أن ابنه هو النبي الذي ينتظره اليهود، حيث كان أهل اليمن يملكون علوما خاصة بهم استقوها من إرثهم الحضاري الكبير، والمراجع التاريخية تؤكد أن نزوح قبيلتي الأوس والخزرج إلى المدينة كان بغرض مناصرة هذا النبي، وهو ما يبرر أيضا استيطان اليهود في تلك البقعة من الجزيرة، بمعنى أن إجابتهم لرسالة النبي لم تكن صدفة أو بجهل، بل على العكس كانت استجابة لدعوة طالما انتظروها عبر الأجيال، وهو ما جعلهم يحتفلون بأول جمعة في شهر رجب تقديراً ليوم منتظر ولنعمة طالما ترقبوها، وكم كانت سعادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المناسبة.
الإيمان يمان.. فقد توافقت الهوية الإيمانية مع مبادئ الدين الإسلامي، ولذا فقد كانت الاستجابة للتشريعات الإلهية سريعة، بعكس ما حصل في مكة التي كانت هوية معظم ساكنيها قد تعرضت لتشويه كبير نتيجة انتشار الظلم والفساد الأخلاقي، وهذا ما جعل المدينة المنورة وبلاد اليمن تتشرف باحتضان الدعوة الإسلامية في بداياتها، ويكون لأهل اليمن ذلك الدور العظيم في مناصرة وانتصار الدين، فهوية أهل اليمن كانت تتواءم مع الشريعة الإسلامية بما جعل أهل اليمن يقرنون مع الإيمان، ويستحقون عن جدارة لقب الأنصار.
جمعة رجب هي مناسبة لإحياء هذه الهوية الإيمانية التي يحتفي فيها اليمنيون برحمة الله المهداة، وقد عرف اليهود هذا بحكم خبرتهم المتراكمة الخطيرة، لذلك أوعزوا لأدواتهم الوهابية بأن يهاجموا هذه الذكرى تحت مبررات ما أنزل الله بها من سلطان، وإن اعتمدوا في ذلك بأن يلووا بها ألسنتهم لتظهر وكأنها من عند الله! لذلك فإن اليهود الحاقدون على الرسول وأنصاره عرفوا خطورة أهل اليمن على مشروعهم الشيطاني الذي يستهدف البشرية جمعاء، وأمام خططهم لإفساد كل الشعوب كان يجب عليهم أن يتخلصوا من الخطر الأول والأكبر على مشروعهم، ألا وهو الإسلام الحنيف، والعقبة الرئيسية كانت تتمثل بأهل اليمن الذين نكلوا بهم وبمشروعهم عبر الأزمان.
هويتنا تعني قوتنا.. فكل شعوب العالم التي فقدت هويتها كان يسهل دوما احتلالها والسيطرة عليها، والتجربة أثبتت هذا، لذلك تم استهداف هوية اليمنيين عبر اتجاهين يبدوان مختلفين، ولكنهما في الحقيقة يمثلان مشروعا واحدا:
الأول هو تدمير الهوية تحت غطاء ديني، وهو ما تمثل بذلك الدعم السخي للوهابية في اليمن، وهي دعوة لم تفرز إلا التشرذم وانهيار تام للعلاقات في المجتمع اليمني، وبدأت تظهر لنا بعض المظاهر التي لا تمت لمجتمعنا وقيمه بأي صلة، فظهر شباب يتشبهون بالأفغان، وانتشر الرياء، وانتعش الفساد، وازداد النفور من الدين، وسقطت المروءة والترابط الأسري، وكثرت النزاعات، وافتقد الأمن والسكينة، وغيرها من المظاهر التي لم يعهدها اليمنيون من قبل ظهور هذه الجماعات في اليمن السعيد، والملاحظ أنهم رغم ادعائهم محاربة الخرافات إلا أنها ازدهرت في عهدهم، ولم يسجل عبر تاريخ هؤلاء أي إنجاز علمي أو حضاري أو قيمي، بل العكس صحيح.
أما الاتجاه الثاني فكان في ظاهره نقيضا للأول، وفي حقيقته كان مكملا له، وقد تمثل في الاتجاه نحو الانحلال الأخلاقي تحت مبرر “الحضارة” والرقي! وهذا التوجه كان صعبا في ظل وجود الالتزام الديني والأخلاقي الذي عرف به أهل اليمن، فانتشر الفساد في معظم البلاد العربية والإسلامية ولكن تأثيره كان طفيفا في بلد الحكمة والإيمان، ولكن مع تغلغل الوهابية التي استهدفت الهوية الإيمانية لهذا الشعب فقد وجد الأعداء ثغرة للولوج للمجتمع اليمني الكريم، ووصل بهم القبح لنشر تجارة الخمور وانتشار شبكات الدعارة والثقافات المغلوطة التي أدت كسابقتها لانتشار النزاعات والانحلال الأخلاقي وتغيير نمط المجتمع والكراهية لكل ما هو يمني خاصة في أوساط الشباب، وارتبط هذا الانحلال أيضا بظهور آفات اجتماعية لم يعهدها الشعب اليمني من قبل، كما اختفت الكثير من القيم مثل الصدق والأمانة والوفاء والحمية والترابط …..الخ.
هذا كله أدى في نتيجته ما رأيناه من انعدام الوطنية لدى الكثيرين الذين رأيناهم يخونون بلدهم دون أي تردد، وهذا ما جعلنا نجدهم يعملون على نهب وسرقة وتدمير مقدرات هذا الشعب دون مقاومة تذكر. وبرغم ثقافة الفساد والنفاق التي نخرت في المجتمع، ولكن أثبت صمود الشعب اليمني أنه شعب كريم يرفض كل هذه المظاهر الفاسدة، وأنّ أصالته وارتباطه بهويته وأخلاقه هي حصن قادر على حماية البلد وإسقاط جميع مشاريع الظلم التي تهدده أو تهدد أمته العربية والإسلامية.
إن ارتباطنا بهويتنا الأصيلة أكثر كفيل أن يغير واقعنا ومستقبلنا، لنعود كما أراد الله لنا خير أمة أخرجت للناس، لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولتصل رسالة الإسلام كما أوصلناها فيما مضى إلى كل أصقاع الأرض، فقد استطاعت الهوية الإيمانية لشعبنا اليمني العظيم أن تؤثر في شعوب أخرى حول العالم وتغير واقعها إيجابيا، وحان الوقت لنعود كما قال عنا النبي التهامي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.