في حصة التعبير أتاحت المعلمة الفرصة للطالبات بأن يقفنّ و يتحدثنّ عن الطبيعة و أن تختار كل واحدة منهن موضوع و تتكلم عنه أمام الطالبات فيما كانت هي تجلس بينهن و تستمع لكلامهن الجميل،كانت المواضيع متعددة و جميلة..و كان التفاعل مع المواضيع رائع و يجد تشجيعاً كبيراً من قبل المعلمة و طالبات الصف، حتى جاء دور سلوى لتتحدث عن الموضوع الذي اختارته..
وقفت سلوى و قالت :إنَّ الموضوع الذي اخترته هو "جبال مدينتي"
ضحكت طالبات الصف و خاصةً صديقات سلوى فقد كانت تتحدث أمامهن بشكل مستمِر عن الجبال و حبها لها، احمّر وجه سلوى و شعرت بالخجل من ضحك زميلاتها، و كانت تسمع بعض التمتمة منهن، فواحدة تقول إنَّ جبال المدينة عبارة عن صخور و أحجار عادية حتى أنها ليست خضراء اللون، و أخرى تهمس_لقد كان حديثي عن السماء شيق و جميل فالسماء زرقاء واسعة و جميلة........ وقفت المعلمة و طلبت منهن الهدوء و أخبرت سلوى أن تُكمِل حديثها..
قالت سلوى: أعرِف أن صديقاتي يعتبنَّ عليّ حديثي الدائم عن الجبال خاصةً عندما نمشي سويّاً و يرتسم أمام ناظري ذلك الجبل الشامخ الأشم الجميل فتظل عيناي تُحدِّقان بِه و تسافِران في انحنائاته و تفاصيله و شموخه و هو يُعانِق السماء و كم يبدوا مهيباً.. و أجِد نفسي أُحدِثهُنَّ عنه في كُل مره..
أعرف أن جبال مدينتي ليست مُخضرّة و أعرف أنها لا تلفت انتباه الكثيرين إلا أنَّ صديقاتي يُخبرنني أنهنّ يتذكرنني كلما رأوا تلك الجبال و كأنّ وجهي يرتسم باسماً أمام الجبل..
في الحقيقة أني كنت أحب جبال المدينة لكني اليوم أحبها أكثر بكثير و قد زاد تعلقي بها عمَّا قبل..
إني أرى الجبال كبيرة و عظيمة و شامخة و تدل على عظمة الخالق الذي أتقن كل شيء.. كما أنها مزخرفة و فيها نتوءات و كأنّها منحوتة كلوحة فنية بديعة و خلّابة.. و إضافةً إلى جمالها و بهائها فقد كانت هذه الجبال منذ قديم الزمن هي الحارس لمدينتي..
بدت علامات الإستغراب على وجوه الطالبات!
أطرقت سلوى :نعم يا عزيزاتي، فهذه الجبال شكّلت منذ قِدم التاريخ تضاريس صعبة وعرة و قاسية على كل الأعداء و المحتلين الذين كانوا يحاولون احتلال المدينة و الإعتداء عليها.. و كانت نعم الصديق لأهل مدينتنا و كانت تمنحهم من بأسها و قوتها في دحر كل من تسول له نفسه أن يمس المدينة أو أهلها بسوء.. ً
إنّ هذه الجبال تشعر كما نشعر و تتنفس الحرية و العزة والكرامة كما نتنفسها ولا يمكن أن تساوم عليها.. كما أنها تتبادل مشاعر العز و الحرية مع الرجال الأحرار الذين يتخذونها ملاذا و حِصناً ضد الغزاة و المحتلين.. و تشعر و كأنَّ هؤلاء الرجال جِبالاً أخرى يعتلونها.. حتى أنها أحياناً لا تدري هل تمدّهُم من قوتها أم أنهم هم من يزيدونها قوة و صمود!! و تشعر ًأنها حتى لو تزحزت من مكانها أو زالت فإنهم لن يزولوا..
و ما زاد من حبي و تعلقي بها هو العدوان الأخير على بلدي و مدينتي فلكم حمتنا هذه الجبال الشاهقة التي تحيط بمدينتنا من كل الجهات و شكّلت هي و رجالنا الأبطال سداً منيعاً و عيناً حارسة بفضل الله تعالى..
ألم ترين كيف أنها كانت كأم حانية لنا تتحمل الضربات القاسية و الموجعة من قبل أعداء الله ليل نهار دون أن تتذمر و تتلقفها بصدرها و نحن نسمع مدى قوة تلك الضربات و عنفها كأنَّها تقول لنا لا تهنوا ولا تحزنوا و تعلموا مني الصبر و الشموخ ولا تركعوا لغير الله العزيز القهار..
نعم.. كم أعشق جبال مدينتي و أثِّق أنكنّ بعد اليوم ستحببنها أكثر مني..
أنهت سلوى حديثها.. و وقفت المعلمة و الطالبات يصفقنّ لها بحرارة و يبدينّ إعجابهن بـ "عاشقة الجبال".