صعدا على نفس الحافلة لتقلهما إلى نفس المكان و لنفس الغاية.
عدة أشهر مضت على حديثهما آخر مرة على الرغم من علاقتهما القوية و صداقتهما القديمة فهما جيران من سنوات طويلة، لكن بعد أن حدثت بينهما مشادة كلامية سياسية قطع كل منهما الآخر.
التقت عيناهما. لكن قلوبهما لم تتصافح بعد.
كانت الحماسة تغمر كل من في الحافلة و الوجوه تكسوها ابتسامات متلألئة. كيف لا. و الجميع يتجهون ليحضروا أكبر عرس و أعظم فرحة لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل.
قال أحدهم و بصوت مرتفع: "هذا أسعد يوم في حياتي".
في نفس الحافلة كانت هناك امرأة مسنة مقعدة، و رجل آخر قد بترت قدماه، لكن ذلك لم يمنعهم و غيرهم الكثير من حضور ذاك الاجتماع التاريخي الذي لا يقدر أن يتغيب عنه من قلبه ملئ بالحب و الإيمان.
هما فقط كانا يشعران بغصة تكدر صفو تلك الفرحة الغامرة.
وصل الجميع إلى المكان المنشود والهدف المقصود.
كان الجميع يمشون فراداً و زمراً تسابقهم قلوبهم في الخطوات، وتهتف أرواحهم بالشعارات وتدمع أعينهم بالعبرات.
صدفة أيضاً كانا يقفان بالقرب من بعضيهما. لكن كل واحد فيهما كان يحاول أن يتجاهل نظرات الآخر.
كانت الفرحة غامرة و البهجة عامرة. فجأة أيضاً لم يشعرا إلا وهما الاثنان ضمن دائرة كبيرة ترقص طرباً وتتمايل فرحاً؛ الضحكات العالية تزين كل الوجوه، وكانت الأرواح تتعانق والقلوب تتصافح لكنهما لا يزالان يشعران بألم في نفسيهما وسط كل تلك الفرحة.
كان الجميع يتصرف بتلقائية واندفاع كبير من فيض تلك المشاعر التي تتزاحم في النفوس.
وجد أحدهما عموداً مرتفعاً فتسلقه دون أن يشعر؛ لكي يرفع الراية التي بيده عالياً حتى لا تعلو عليها راية أبداً.
تزحلقت يده و كاد أن يسقط لولا يد من الأعلى رفعته.
رفع رأسه ليتفاجأ بأنه هو ذاك الشخص؛ جاره و صديقه القديم. وصلا للأعلى و دون شعور منهما تعانقا و كل واحد يطلب السماح من الآخر.
قال أحدهما: "هذا هو يوم عيد أمنا، لا يمكن لنا أن نجعلها تتألم في هذا العرس الجماهيري التاريخي بسبب خلافنا"، و قال الآخر: انظر إلى الأسفل يالها من أمواج بشرية هادرة، تكسوها الهيبة و الوقار و يتنافس في رسمها الصغار والكبار، كأنها أمواج متدفقة؛ موجة من الألم تعلوها موجة من الأمل، و موجة من الصبر تعلوها موجة من النصر.
ما أعذب نسيم هذا الهواء، ليتني أستطيع أن أملأها في قوارير لأتعطر من شذاها.
هي الهوى و هي المصير، و بيديهما مسكا راية واحدة و رفعاها للأعلى سوياً، و كانا يشعران أن سعادتهما لا تعدلها سعادة أحد من الحاضرين جميعاً، و اعتلت أرواحهما مغردة مع كل الأرواح و مصافحة لكل القلوب.