يمهد الأمريكيون إعلامياً لإعلان سيطرة تنظيماتهم الاستخباراتية “داعش والقاعدة” على وادي حضرموت، تحسباً لتداعيات تحرير أبطالنا للجوف وأزوف تحرير مأرب، والأخيرة جرى تدوير اليافطات فيها منتصف شباط/فبراير الفائت، عبر الإعلان عن “تصفية الريمي ومبايعة باطرفي أميراً للقاعدة في بلاد العرب”، لتحويل وجهة وقواعد الاشتباك صوب مقلب آخر تتحكم واشنطن بخيوطه.
لا خيار في اعتقاد واشنطن سوى تفخيخ جغرافيا الاشتباك بالذريعة المتهالكة العتيقة ذاتها “الإرهاب”، أملاً في كبح جماح انتصارات جيشنا ولجاننا، لاسيما في المحافظات المتاخمة شمالاً لحدود المملكة وجنوباً للتماسات “الشطرية البائدة” على مشارف حضرموت وشبوة تحديداً حيث “النفط والغاز والميناء الأهم على ساحل بحر العرب”، وحيث متوالية انتصارات أبطالنا ميدانياً تنذر بإعادة لصق مفاصل خارطة الثروات الوطنية وممرات التصدير البحرية والبرية بين شمال الجمهورية اليمنية وجنوبها.. “زيارة مستشارة الرئاسة الأمريكية للمهرة أمس ليست بعيدة عن هذا السيناريو”!
وكذلك الحال بالنسبة للمملكة السعودية، فالأمريكان لن يترددوا عن “مبايعة داعش والقاعدة كلافتات بديلة لجيش سعودي هزيل وعرضة للانحسار مع تقدم الحوثيين في جنوب المملكة”… جرياً على منوال الذهنية الأمريكية المنتجة للذرائع لجهة السيطرة على مسرح وجودها الشرق أوسطي المهدد بالانحسار.. كما تتلطى اليوم بـ”العثمانية الجديدة” لتثبيت قبضتها على شمال وشمال شرق سوريا وخض معادلة الانتصار السوري المتنامي في تلك الجغرافيا.
صحف العمالة لا تفتأ تصدر مانشيتات تتحدث عن “عودة نشاط القاعدة” ومؤخراً “بروز داعش” على إيقاع انتصارات جيشنا ولجاننا الشعبية الصاعد.
أما الخشية الأمريكية فليست لجهة استعادة صنعاء سيادتها الوطنية على جغرافيا الجمهورية اليمنية فحسب، وإنما هي خشية أشد لجهة قدرة المشروع الثوري الأنصاري على التمدد في جوار اجتماعي آيل للاستقطاب بامتداد شبه الجزيرة العربية… مشروع يمتلك التأصيل الهوياتي الإيماني الصلب بما يتيح له الوقوف على أنقاض التأصيل الوهابي المنتحل والدخيل الذي فرض الاستعمار الغربي سيطرته من خلاله على أرض الحرمين الشريفين بتخليق كيان وظيفي اسمه المملكة العربية السعودية يتولى ترجمة مصالحه غير المشروعة بلسان عربي إسلامي، في تضاد مع مجموع الوجودات العربية والإسلامية الأصيلة في المنطقة، وفي صدارتها يمن الأنصار كرافعة لا غنى عنها لدعوى العروبة والإسلام معاً.
البديل ـ إذن – بتقدير الذهنية الأمريكية الوارثة للاستعمار الأوروبي في الشرق العربي والإسلامي، هو شغل مسرح المقدسات الدينية في الجزيرة العربية بـ”دولة خلافة هاشمية” من إنتاج معامل تخصيب الأجنة الوظيفية الغربي، وتغدو هذه المقاربة الاستشرافية راجحة إذا ما قرنت بمعطيات تمهيدية سابقة متمثلة في رفع الحظر عن سرية الوشائج “السعودية الإسرائيلية العريقة”، والتي كانت قواعد الاشتباك القديمة خلال النصف الثاني من القرن الفائت ومطلع التسعينيات وصولاً لـ”هجمات أيلول/سبتمبر 2001 الشهيرة”، تقضي بمواربتها خلف دعاوى إسلامية زائفة إزاء قضية فلسطين والقدس “ثالث الحرمين الشريفين” تعويماً للسعودية في فضاء الصراع العربي الإسرائيلي كلاعب محوري بقصد توجيه دفة الصراع صوب النهايات الاستعمارية التصفوية المتمثلة اليوم في ما يسمى “صفقة القرن أو ترامب”.
غادرت السعودية ـ إذن – مع تصعيد ابن سلمان أمريكياً وصهيونياً لسدة القرار في المملكة، خانة المحاظير الاحترازية التكتيكية العتيقة، وصار ابن سلمان يباهي بإغراق الحرمين الشريفين بـ”الديسكوهات والبارات الحلال وزيارات الصهاينة علناً لباحات مكة والمدينة المقدستين واستقدام ممثلات البورنو ضمن برامج الترفيه”.
كل ذلك جرى ويجري في إطار ما يسمى “استراتيجية 20 ـ 30” التي كانت مراميها الخبيثة ماضية بأمان صوب أن تتحقق لولا تنامي انتصارات القيادة الثورية اليمانية الأنصارية على تحالف عدوان كوني استهدفت من خلاله أمريكا الإجهاز كلياً على المشروع “الثوري الإيماني للمسيرة القرآنية”، وأخفقت في كل ذلك خلال أعوام العدوان الخمسة. واليوم فإن الكفة الراجحة باتت لهذا المشروع الثوري بسند واضح من الإنجازات الفارقة لرجاله على شتى المناحي الميدانية العسكرية والأمنية والتصنيع الحربي النوعي وتعاظم قدرات الردع صوب أن تصبح تفوق ردع عما قريب كما تؤكد معطيات الاشتباك عقب الإسقاط الممنهج لـ”تورنيدو البريطانية” في سماء الجوف وتحييد وحوش الجو الغربية بنسبة كبيرة من مسرح القتال بما تمثله من عنصر قوة استراتيجي رئيسي لجهة وقود الارتزاق البشري المقاتل على الأرض بمعية تحالف العدوان الكوني.
هل بوسع بعبع “داعش والقاعدة” المهترئ في سوريا والعراق أن ينهض في اليمن بدور إيجابي لجهة ما تطمح إليه واشنطن من خلط لأوراق الاشتباك وخض لمعادلة الصراع المتخلقة اليوم بوضوح كضفتين نقيضين: خليجية مصرية عربانية صهيونية أمريكية فاضحة في نهوضها بمشروع تصفية القضايا المركزية للأمتين العربية والإسلامية، من جهة، ويمنية سورية عراقية إيرانية جلية في نهوضها بالقضايا المركزية كمبدأ والذود عنها كمسار كفاحي جهادي مبين ومناهض للهيمنة الأمريكية والكيان الصهيوني…؟!.
هل يمكن ـ إذن – لواشنطن عبر بعبع التنظيمات التكفيرية كيافطة مدورة “منخرطة عملياً في قوام العدوان على اليمن”، أن تدلس على جلاء طرفي الاشتباك وتجرف معطياته إلى مقلب آخر يرمم هزائم مشروع تحالف العدوان ويمحق مكتسبات جيشنا ولجاننا وقيادتنا الثورية سياسياً فلا تعود قابلة للصرف على طاولة مفاوضات لا مناص لدول العدوان ومديرها التنفيذي من الرضوخ لتوازناتها الراهنة من عمر الاشتباك وما تمليه عليه من تنازلات لاستنقاذ ما تبقى من عوامل استقرار تتمتع به كياناته الآيلة للتداعي والأفول…؟!.
إنها لحظة كينونة وجودية متجاوزة لقدرة الأحادية الأمريكية على مواجهتها بالذرائع العتيقة، لاسيما وأن سقف الفاعلية الأيديولوجية التاريخية لهذه الذرائع بات فاضح الجزر أمام مد المقاومة العربية والإسلامية ذات الروح المحمدية العلوية الوثابة، بحيث بات أمر الامبراطورية الأمريكية رهناً بكم من الوقت سيكون بوسعها أن تناور لتلافي الإقرار بواقع وجودي تاريخي مغاير لزمن الأحادية ونقيض لخارطة هيمنتها ويتحتم إعادة توزيع أنصبة الوجود فيه طبقاً لمعطيات صراع جديدة لا غلبة لأمريكا فيها ولا رجحان؟!.
لعل هذا هو ما يجعل تسوية ملفات الصراع سياسياً بصورة ناجزة في المنطقة غير ممكنة لجهة مبدأ “فصل كل ملف على حدة”، بل تواشج الملفات وتداخل معطيات الاشتباك سلباً وإيجاباً على ضفتي الصراع النقيضين بالمنطقة، والعاقبة الحتمية الوشيكة والمرجأة هي في صالح القوى الثورية المشتبكة مع الوجود الامبراطوري الإمبريالي الغربي الآفل بكياناته الوظيفية العبرية منها والعربية والإسلاموية.
هذا التدويل للصراع وربط مآلاته التسووية بالمجمل لا يدحض حقيقة أن يمن 21 أيلول بإنجازاته النوعية ومفاجآته المتنامية يبقى لاعباً محورياً وازناً لجهة جملة الملفات في المنطقة بما يمكننا من الجزم بأنه بات أشبه برأس فرجار للاشتباك الإقليمي المديد سلباً وإيجاباً على ضفتي الصراع، وأن رياح الانفراج أو التأزم أضحت تهب من تلقاء اليمن وتسحب نفسها على مجمل المشهد الإقليمي والدولي.