لا يوجد أخبث ولا أحقر من عمل المنظمات العالمية. وفسادها لا يضاهيه أي فساد، ولكن هذه ليست دعوة إلى الانسياق معهما.
ما نريده ونطلبه هو التصحيح، وليس الانجرار مع الفساد والمشاركة فيه. بإمكاننا معالجة الأمور وفق القانون وبحكمة. فمثلاً فيما يخص المواد الغذائية، لدينا مشروع التغذية المدرسية، وهو أولاّ مشروع حكومي، ثم إنه يمتلك قاعدة البيانات اللازمة والمطلوبة، وذو خبرة وباع طويل في مجال الإغاثة الإنسانية. وأهم ما في الأمر هو أن الثقة متواجدة، ثقة الحكومة بالمشروع وثقة المنظمات بحرفية ومهنية المشروع. وهو مشروع متكامل، كادره الوظيفي مميز، ويشمل جوانب الضبط والرقابة. ولا يجب أن يخرج عمل المنظمات في مجال السلال الغذائية عن إطار المشروع، مع استمرارية الرقابة على أعمال المشروع.
أما الرقابة على المنظمات فهناك ما لا يمكن مراقبته؛ كونه لا يخصنا، وإنما يخص الدول والجهات المانحة، مثل النسبة المهولة التي تستقطعها المنظمات تحت مسمى "النفقات التشغيلية" وغيرها من المسميات، وأسعار المواد الغذائية المُبالغ فيها بشكل مذهل. وما صمت الدول المانحة على فساد المنظمات العالمية إلا لأنها تطلب من المنظمات مقابل هذه الأموال بيانات ومعلومات، وتنفيذ بعض المهام التي تصب في مصلحة الدول المانحة، بمعنى أنها مجرد أدوات استخباراتية بغطاء إنساني. وهنا يجب الحذر واليقظة. لكن هناك جوانب أخرى بإمكاننا وضع كثير من جوانب التحري والرقابة عليها، مثل: التأكد من صلاحية المواد وتحري صحة ودقة قاعدة البيانات الخاصة بالمستحقين، والتأكد من وصول المواد الغذائية إليهم، مع التأكد أيضا من صحة الاستحقاق وعدم وجود تكرار أو أسماء وهمية والغربلة المستمرة، بحيث لا يستلم السلال الغذائية إلا المستحقون فقط، والحرص على أن تشمل تلك السلال جميع المستحقين (حسب الكميات المعتمدة)، بمعنى أن تكون المفاضلة حسب الأكثر استحقاقاً، وليس الأكبر وساطة ومعرفة.
أما المساعدات العينية التي تصل إلى الجهات الحكومية وتحصل المنظمة على إعفاء ضريبي وجمركي لها، كالأجهزة الطبية وغيرها من المواد، سواءً كانت مستهلكة كالأدوية واللقاحات أم أصولاً كالأجهزة والسيارات والأثاث، فمن الضروري جداً أن يتم موافاة وزارة المالية عند إجراء معاملة الإعفاء الجمركي بوثائق التوريد والفحص المخزني وأوامر الصرف، وذلك لتقييد الكميات وإضافتها ضمن الجرد الخاص بالجهة، وموافاة المالية أيضاً بفاتورة الشراء وبوليصة الشحن، وهي وثائق لن يمانع كل من يعمل بشرف ونزاهة أن يقدمها ويوافي الإدارة العامة للإعفاءات الجمركية بوزارة المالية بها، وإخفاؤها أو تمرير معاملة الإعفاء الجمركي بدونها يعتبر "مال سايب" لا رقابة عليه وباباً من أبواب الفساد.
وفيما يخص فساد المنظمات، فالجانب الأهم والأكبر منه يوجد في المشتريات والخدمات التي تحتاج إليها المنظمات. فمن هذا الباب أصبح البعض من أثرى أثرياء اليمن خلال فترة وجيزة، رغم أنهم بدؤوا من الصفر (وعندما أقول من الصفر فأنا أعني ذلك)، ولم يكونوا من التجار البارزين والمعروفين قبل انخراطهم في أعمال المنظمات. وهذا ما يفسر وجود هذا العدد المذهل من المنظمات المحلية، التي غالباً ما تكون خاصة بمسؤولين في الدولة بأسماء أقاربهم. وبحسب نفوذ المسؤول يحصل من المنظمات العالمية على مشاريع وتكاليف ومهام لمنظمته المحلية. وكذلك هي الشركات التي تعمل باستمرار مع المنظمات دون غيرها وبدون خضوع حقيقي لمعايير وشروط المناقصات، وذلك يتم بموافقة المنظمات نفسها، لأن القائمين عليها ينالهم مردود مالي لا بأس به مقابل تمرير صفقات الفساد.
بإمكاني ذكر عشرات الأمثلة، لكني لا أسعى إلى التشويه، بل إلى التصحيح والاهتمام بالجوانب المذكورة. هذا سيكون له أثر طيب وملموس جداً، لأن ما يلتهمه الفاسدون أكثر بكثير مما يستفيد منه المواطن والمستحقون والمنكوبون، ولو حدث تصحيح في هذه الجوانب فإن ذلك سيشكل نقلة نوعية ممتازة.. وللحديث بقية.
*نقلا عن : لا ميديا