يودع ويستقبل “السفراء” المفترضين في صنعاء ويقيمون في الرياض! ماذا بقي لنضحك أكثر!
في العام 1970 وقعت مصر والسعودية اتفاقا لإيقاف القتال بينهما في اليمن ، جوهر الاتفاق إيقاف التدخل ، هكذا انتهت حرب اليمن الأهلية الأولى في القرن الماضي ، لم يكن هذا قدر اليمن بل قدر الدول التي تتدخل ـ فالاتفاق الذي وقع في عهد الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز والرئيس المصري جمال عبد الناصر كان دافعه الرئيس إيقاف الخسائر السعودية المصرية ، البلدان قاتلا لأهداف لا علاقة لها بمصلحة اليمن واستقراه ونهوضة ، فالسعودية التي وقفت في صف الملكيين كانت تقف مع خصومها التاريخيين ولكن لهدف إيقاف التوسع المصري ، جمال عبد الناصر كان يقاتل في صف ” الجمهوريين ” لتوسيع نفوذه .
من المفارقة ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال قبل عدة أيام ان الغطاء النقدي المصري الهائل استنزف في حرب اليمن بين الأعوام 1962 – 1967 ونضيف إلى السيسي أيضا الجيش المصري استنزف في هذا البلد المعقد والصعب ، وعلى ذكر هذا التعقيد فإنه بعد عدة أيام أي في الـ 14 من اكتوبر سيحتفل اليمن بالذكرى الـ57 لطرد الاستعمار البريطاني من الشطر الجنوبي منه ، لكن الواقع يقول ان 4 عقود ونيّف استنزفت في صراع مرير لا يزال مفتوح ، هذا يعني أن اليمن لم ينجح في الاستفادة من الثورة التي كان من المفترض أن تحقق أمرين ، السيادة والنهضة ، هذين الأمرين هما جناحا الثورة فتحقيق السيادة لا يكفي إذا لم يتم تحقيق النهضة والتقدم ، حصلت هذه الانتكاسة أيضا في الشطر الشمالي ، بل هذا الشطر خسر الامرين معا ، فمنذ 1962 لم يحصل على السيادة الكاملة وازداد وضعه سوء ، ان افترضنا غير ذلك فإننا نخدع أنفسنا ونخدع الأجيال المقبلة ، من ينام مع الوهم يجب ان يقرأ مذكرات ” الثوار ” بما فيي ذلك الذين تولوا ” الرئاسة ” الشكلية ، كالقاضي عبد الرحمن الإرياني 1967-1974 وكذلك رئيس حكومته محسن العيني ، اقرأوا ايضا والكلام للمشككين مذكرات عبد الرحمن البيضاني ، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ، الشاعر عبد الله البردوني في قضايا يمنية واليمن الجمهوري وووو .
مع ذكر هذا الشق التأريخي من اليمن والصراع لنيل الاستقلال والسيادة وتحقيق النهضة والتقدم تحضر السعودية والدول الخليجية كطرف سيء الصيت وجار يتدخل بسلبية ، فهو لا يريد بلدا قويا يشب عن الطوق ولا يريد أيضا بلدا يصدر الأزمات والفقراء بما لا يطيق الجار الغني واللئيم وصاحب الترسبات الكارهة لليمنيين ، لقد عملت السعودية ان تحافظ على واقع تتجسد فيه أغنية شعبية يمنية شهيرة تقول كلماتها (لا تشلوني ولا تطرحوني) ليس للاغنية علاقة بالسياسة ولكنها تشرح حالة محب مريض وفاقد القدرة على النهوض .
هذا الجدل الكبير غير جديد بالنسبة لليمنيين ، هو وجبة يومية من الكلام في المقايل والطرقات والمناسبات السياسية وحديث ثلاثة أجيال من الناس في اليمن ، لأننا لم نخرج من هذه الدائرة طول العقود الماضية ، الحرب العدوانية الحالية هي مخاض الخروج والميلاد الأول لهذا البلد العريق حضاريا والمهم جغرافيا وسكانيا وبنيويا ، على أنه وضع في مسار صراع دولي واقليمي أصبح جزء منه منذ الثورة الأخيرة 21 سبتمبر 2014 ، ولأن السعودية جزء من المشهد اليمني هي أيضا حاضرة ولكن هذه المرة هي الطرف الذي خسر ومن الصعب أن تربح مجددا بعد ان أحرقت كل كروتها في السنوات الاخيرة التي تمضي وتشارف على الاكتمال ، لقد ربحت كثيرا وأجهضت ثورات متعددة واغتالت رؤساء ” تمردوا ” عليها بينهم الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي الذي تمر الذكرى الـ 43 لاغتياله في 11 اكتوبر 77 إلى الرئيس الشهيد صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى 2018 ، هي تدفع حاليا ثمن الماضي الرديء .
مع ذلك لا تزال السعودية تمارس الدور السلبي نفسي في الجزء المتبقي جنوب اليمن ومع من تعتبرهم حلفاء لها ، أقصد هنا عبدربه منصور هادي والتيار السياسي والعسكري الذي ذهب إليها في العام 2015 ففي حين كان يفترض أن تسلم لهولاء الذين يعتقدون انهم حلفاء جزء من السلطة الشكلية ، مكَنت محمد الجابر ” سفيرها في اليمن ” (هذا الاخير لم يعد في اليمن منذ 2014 ) من القيام بمهام الرئاسة والمحكومة والدولة المفترضة بالنيابة ، فهو من يعين المحافظين والوزراء والقادة العسكريين والسلك الدبلوماسي ويوقع الاتفاقيات ويقرر بشأن عمل المنظمات الدولية ويجلس معها ، وينشر ذلك على حسابه في تويتر دون أن يشعر أن ما يقوم به يضرب من تعتبرهم الرياض حلفاء في مقتل ويحولهم إلى مسخرة ، ولعل توديعه للسفير الفرنسي كريستيان تيستو بالنيابة عن خارجية عبد ربه منصور هادي وفجر هذا التوديع موجه من النقد والسخرية أكمل ما تبقى من غطاء للشرعية المزعومة التي تقول السعودية أنها تحارب من اجل إعادة تمكينها من الحكم ! لم يعد بمقدور أحد من المناوئين للسلطة في العاصمة صنعاء أن يخفي حقيقة “الكدمات” والرضوخ التي يتلقاها من “الحليف”.
قبل أقل من شهر كسر أحد السياسيين والحلفاء القداماء والخصوم الجدد للسعودية ومستشار عبد ربه منصور هادي ، عبد العزيز جباري كسر الجرة عندما أعلن على الهواء في قناة الجزيرة أن محمد آل جابر هو الحاكم الفعلي لحكومة هادي وكل شيء ينتهي إليه وهو الآمر الناهي الوحيد ، حديث جباري كان في سياق الحديث عن المباحثات التي تجري في السعودية لتشكيل حكومة مناصفة بين تيار هادي والاخوان وبين الانتقالي الجنوبي المحسوب على الامارات ، وهي مباحثات طويلة تأتي على أنقاض وغبار أزمة من الصعب الخروج منها في الوقت الراهن وربما في المستقبل، والغريب أن ما تريده الرياض هو تشكيل حكومة 80% منها من المقربين للسفير السعودي محمد الجابر و 20% يختارهم هادي ليس فيهم من أساء للسعودية أو للامارات.
إنها تشكيلة حكومية قالها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في العام 2016 وبالحرف وأقتبس (يريدون أن يكون في هذا البلد حكومة صغيرة ضعيفة هزيلة تخضع لإمرتهم وقراراتهم وسياساتهم وتجعل الاعتبار الأول لهم وقبل شعبها) وكان يقصد السعودية، إنه تطابق حرفي لما تقوم به الرياض الآن.
*المصدر : رأي اليوم