لا أعتقد أن الرئيس الفرنسي ماكرون بحديثه المتكرر حول الدفاع عن القيم الفرنسية عقب أي عملية تقوم بها أيٍ من الجماعات الإرهابية التي تتعمد المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية والصهيونية منذ تفاقمت سيناريوهات ما يسمى الحرب على الإرهاب تسميتها بتنظيمات الإسلام المتطرف ،
لا أعتقد أن حديث ماكرون هذا بريء أو أنه في أحسن الظروف قارئ لديه شيء من الإنصاف للتاريخ الفرنسي ولا للتاريخ الإسلامي أو حتى الإنساني لأن تصرفاته وتصريحاته تقول بأنه غير مهتم بربط الواقع بالتاريخ، وهذا ما جعل وعيه يغيب عن واقع فرنسا المنفصل عن تاريخ ثورتها ودورها الريادي في التأسيس لحقوق الإنسان في العالم الحديث وكيف أصبحت في الواقع ذيلاً لأمريكا والصهيونية ، وبين الريادة في التأسيس للقيم وبين واقع الخضوع لهيمنة السياسة الأمريكية والصهيونية بون شاسع !،
ولست هنا مع من يبحث عن مبررات لإغفال عيوبنا في العالمين العربي والإسلامي ليرمي على الآخرين بكل هواننا وضعفنا وخاصة في الوطن العربي والانفصال كذلك بين الإسلام وواقع المسلمين !!، وكل هذا الاستعداد المخزي للتفريط بسيادة بلداننا كما تجلى من خلال أوقح صور الافتضاح المسمى بالتطبيع بين أذناب من أعلنوا التطبيع وبين الذين لم يكن لهم في يوم من الأيام معهم أي علاقة غير التطبيع منذ وجدوا ومنذ صُنعت كياناتهم المتزامنة مع الكيان صنع الصهيوني المطبع معه !!، ولكني أحاول توصيف واقع هذه الأمة..
إن الفصل في وعي الرئيس الفرنسي بين واقع البلد الذي يرأسه وبين قيم الثورة الفرنسية التي أسهمت في التأسيس لكثير من المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان مثل سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء بشكلها المعاصر والتي كان لها أثرها في العالم المعاصر على كثير من بلدان العالم في الشرق والغرب وهو ذاته الوعي المنفصم والمضطرب لهذا الرئيس في رؤيته للإسلام وموقفه منه فهو يقيِّم الإسلام بمعيار آخر غير المعيار الذي يتبجح فيه بقيم فرنسا ويقصد بها قيم الثورة الفرنسية التي لم تعد موجودة على أرض الواقع بنفس زخم الثورة التي تهاوت كبقية الثورات أمام المصالح المتوحشة التي تحكم عالم اليوم ،
هذه العقلية هي التي جعلت ماكرون وترامب وغيرهما يحكمون على الإسلام من خلال واقع المسلمين المزري الذي شاركت في صنعه فرنسا الاستعمارية إلى جانب بريطانيا وهما أبرز دولتين تقاسمتا سرقة العالم وأسمته العالم الثالث بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وتفننوا ولا زالوا في صناعة الحكم والمعارضة معاً في بلدان هذا العالم الذي يضم أغلب الدول الإسلامية، وأخطر من هذا دور هاتين الدولتين في صناعة الإرهاب وأدواته باسم الإسلام للحكم على الإسلام من خلال أفعال هذه الأدوات الإرهابية التي يحاولون التهرب من تبعاتها التي تقررها القاعدة القانونية المعروفة (مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة) ويعملون على تحويل ما يسمى الحرب على الإرهاب إلى دعاية انتخابية لأمثال ماكرون وترامب !!؛
هذه الألاعيب المعتمدة على الإرهاب ونشر الكراهية ضد المسلمين لكسب ود ودعم اللوبي الصهيوني المحدود المنظم في مواجهة الوجود الإسلامي الواسع المبعثر والذي يعمل ضد نفسه في أحيان كثيرة !
ومن يراقب سلوك الرئيس الفرنسي منذ تصريحه الذي اعتبر فيه نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام حرية اعتقاد لتواجه هذه التصريحات بموجات جديدة من الاحتجاجات الصوتية ويتبعها ويتخللها أعمال إرهابية قبيحة تؤكد ما تفبركه المخابرات الفرنسية الصهيونية الهادفة إلى وصم المسلمين عموماً بالإرهاب ، هذه الأساليب باتت مكشوفة ليس بجهد منظم للمسلمين وإنما بجهود فردية لبعض المفكرين الأحرار ،
ولأن إحاطة المكر السيئ بأهله حقيقة إلهية لابد أن تجد مكانها في الفكر الإنساني غير المريض الذي يحترم الإنسان كإنسان والذي لا تمنعه الأيديولوجيات الكسيحة والعقائد الفاسدة من تلمس الحقيقة والحكمة أنّى وجدها !، وباتجاه هذا التلمس نسأل الرئيس الفرنسي الذي يؤدي دوراً مؤدلجاً ضد المسلمين وفي المنطقة وأمثاله : هل يدرك هؤلاء أن حرية الاعتقاد وعدم الاعتقاد قيمة إسلامية غُيِّبت قبل أن تصبح من قيم الثورة الفرنسية التي غيبت أيضاً” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”صدق الله العظيم آية (29) سورة الكهف؟
وهل من حرية الاعتقاد هذا السعي الحثيث والمكشوف من قبل أجهزة المخابرات الفرنسية والأمريكية والبريطانية والصهيونية في إدارة وتوجيه بعض الأنظمة الخليجية بتمويل العمليات الإرهابية لبعض الأشخاص المؤدلجين بالعقيدة الوهابية المستثمرة أو أي إيدلوجية مماثلة في عدة مناطق من العالم حسب خطط تلك الأجهزة والمشاريع السياسية التي تحركها ، وهل من الحرية كذلك ترك مدعي الفكر والفن للمساس بعقيدة المسلمين سواء بالفعل أو بالقول أو بالرسم أو بأي وسيلة تعبير ؟؛ وهل من حرية الاعتقاد دعم الخرافة الصهيونية المدعومة من المطبعين مذ وُجدوا والقائمة على احتلال أرض فلسطين وتهجير أهلها وقتلهم لإحلال يهود العالم مكانهم باسم وهْم وخرافة الأرض الموعودة ؟!
وهل من العقيدة السليمة والحرية الاعتقاد بأن الله يعِدُ إنساناً باحتلال أرض غيره، أي يعد بالدمار والقتل والتشريد والعذاب ؟ّ! وهل من العقل السليم الحضاري وحرية الاعتقاد التسليم بهذه الخرافات ووصف من يعارضها بالمعادي للسامية والقيام بمحاكمته والحكم عليه بهذه التهمة الزائفة ومحاربة أي مفكر يكشف هذه الخزعبلات ويعريها ومحاصرته بشتى الوسائل الخبيثة وأحياناً بالتصفية الجسدية وهل وهل وهل وهل ….؟!!!.
ثمن الحرية حياةُ من يتخلّى عنها !.