حتى تكون المقاربات أوضح سأبدأ من الافتراض الذي يقول ماذا لو أضيف لترامب 4 سنوات جديدة في البيت الأبيض بالنسبة للحرب العدوانية على اليمن !
هذا الافتراض مبني على كيف ينظر ترامب وإدارته إلى هذه الحرب التي وصل إلى البيت الأبيض بعد حصولها بأزيد من عام ونصف وفي عهد الحزب الديمقراطي وعهد الرئيس الأسبق باراك اوباما ، لقد وجد ترامب نفسه منخرط فيها كجزء من تركة سلفه وعليه أن يستمر فيها من واقع دعمه للسعودية ولنفس الدوافع والتكاليف والأثمان من جهة ، والاستراتيجية الامريكية في عدم السماح لليمن بالانتقال إلى محور آخر والخروج من مربع الهيمنة الأمريكية في المنطقة ، ثم أنها أي الحرب على اليمن جزء من الحرب الأمريكية الاسرائيلية السعودية على ايران .
وعلى هذا أخذت اليمن والعدوان عليها ضمن المسار الاقليمي والدولي والحل ضمن هذا المسار نفسه ، على أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض لم يغير في واقع الحرب شيئا لا عسكريا ولا سياسيا رغم استمرار تدفق السلاح وتوفير الغطاء وإفشال أي توجه لوقف الحرب ، لقد استخدم ترامب الفيتو لمرتين أمام مشروع قرار تبناه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي لوقف الدعم الامريكي للسعودية في الحرب على اليمن وإنهاء المشاركة فيها .
في أقسى ضربة يمنية على السعودية بعد استهداف مصافي ارامكو السعودية في أبقيق وخريص سبتمبر 2019 جنوب شرق المملكة باستخدام طائرات مسيَرة وصواريخ باليستية وتسببت في إيقاف خط الانتاج السعودي النفطي وتقليصه إلى النصف ، كل الذي تمكن ترامب من تقديمه للسعودية هو إرسال دفاعات جوية وتعزيز الوجود العسكري بعد ارسال ما يقارب 150 جنديا ، لقد فهم خليجيا سعوديا وإماراتيا أن ثمة عجز أمريكي في تغيير المسار العسكري ودفعه باتجاه مساعدتها في حسم الحرب عسكريا ، بينما تضاعفت قوة اليمن العسكرية ، بالتزامن مع تراجع وتفكك التحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ 2015 .
لقد تكونت قناعة أمريكية في عهد ترامب وربما لدى السعودية والامارات وكيان العدو الاسرائيلي أن إضعاف ما يعتبرونهم ” اذرع ايران في المنطقة ” وهي نظرية تضليلة لمحاولة شيطنة القوى الوطنية الرافضة لليهمنة الأمريكية ، يقتضي الذهاب إلى أضعاف إيران نفسها ، بعض الاجنحة المتشددة والقاصرة في دول الخليج كان لديها رغبة جامحة في حدوث حرب امريكية ايرانية عسكرية ، في حين أن ذلك كان في عقل ترامب مع مخاوف كثيرة من نتائج هذه الحرب ، ولهذا تم اختيار العقوبات الاقتصادية وانتظار نتائجها وتداعياتها على ايران وبالتالي على حلفائها في المنطقة وضمنهم اليمن ، الاعتقاد بهذا الرهان كان ينطلق من زاويتن :
الاول : أن ايران ستخضع وتستسلم أمام أقسى العقوبات الأمريكية وتدخل في مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق النووي الايراني الذي انسحب منه ترامب ، وهذه المرة بشروط أمريكية خليجية اسرائيلية .
الثاني: سينتج من هذا الاتفاق المفترض : أن توقف ايران علاقتها مع محور المقاومة وبالتالي وأنا هنا أفكر من زاوية سعودية يمكن التمكن من الانتصار في المناطق والدول التي تريد تشكل تهديدا على استمرار الهيمنة الامريكية وبامكان الرياض أعادة اليمن تحت وصايتها .
هذا التقييم هو أحد اوجه القصور في الرؤية الواقعية للصراع ، ان كان في اليمن أو فلسطين او لبنان أو سوريا أو العراق ، فالدفاع في هذه البلدان هو دفاع وجودي بمعزل تماما ان كانت ايران موجودة وحليفة أو لم تكن ، ان حدثت تسوية أو لم تحدث ، المقاومات في هذه المناطق والبلدان ليست حالات طارئة ستزول بمجرد حدوث تسويات اقليمية أو دولية ، والقوة في هذه المقاومات نابعة من فلسفية بنيوية عقائدية ووطنية ، اذ أن البيئة الشعبية التي ترفد المقاومات في هذه البلدان تفعل ذلك بدافع ليس من ضمنه إيران ، بل بدوافع عقائدية ووطنية لها علاقة بالبلدان والشعوب نفسها ، على أن شعار محاربة ايران في هذه البلدان أثبت أنه لا يجذب احد ولا يعزل أحد ، وهو أحد الشعارات الفاشلة في الحملة العسكرية السعودية الامريكية في اليمن .
ونعود إلى الافتراض الاول : ماذا كان سيحدث لو ربح ترامب وبمبيو مرة اخرى البقاء في البيت الأبيض ؟ وببساطة شديدة كانوا سينتظرون لنتائج أقسى العقوبات على ايران والاستمرار في الضغط الاقتصادي مع بقاء الحرب مفتوحة ضد اليمن ودون البحث عن حلول سياسية ، ولهذا يمكن رؤية هروب الرياض من الحل السياسي في اليمن باستمرار على الرغم أن الطريق إلى صنعاء عسكريا مغلقة وباتت شبه مستحيلة .
والآن .. ماذا سيفعل بايدن والحزب الديمقراطي إزاء هذه الحرب ؟
بايدن يقول انه سيوقف دعم الولايات المتحدة الامريكية للسعودية للاستمرار قتل الاطفال والنساء ، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الامريكية ليست شريكة ، ولا يعني أيضا أن الديمقراطيين وبايدن نفسه طيور سلام ، وبالتالي لا يمكن التكهن والبناء على هذه التصريحات باعتبارها مفتاح فهم مستقبل الحرب وموقف الولايات المتحدة الأمريكية منها ، ولكن يمكن الاعتقاد بان ادارة بايدن ستتعامل مع الحرب العدوانية التي تشارك فيها بلاده منذ 2015 بواقعية ، والواقعية تقول ان هذه الحرب بلا أفق وأن السعودية في متاهة كبيرة وأنتجت فجوة عميقة لا يمكن إصلاحها حتى بحل سياسي ، اذ ان الحل السياسي بات من أعقد المسائل في اليمن الذي يشهد تحولا كبيرا لصالح العاصمة صنعاء ، من يشكك في ذلك عليه ان يقارن بين القوى الثورية الحاكمة اليوم ، واعني أنصار الله الحوثيين وحلفائهم السياسيين والقبليين ، وبينهم عندما بدأت او غارات على العاصمة صنعاء .
لن نكون متفائلين بأن بايدن سيوقف فورا الدعم الامريكي للسعودية ، فاليمن ليست الملف الأول في جعبة الرئيس الامريكي الجديد ، لكنه سيترك السعودية تواجه تحديات هذه الحرب بمفردها مع عجز الرياض في احداث أي تغيير لصالحها فالحرب تسير باتجاه مضاد وفي ذات الوقت هي غير قادة على رسم خارطة طريق نحو السلام مع اليمن إلا أذا قررت أن تستلم للواقع ، والواقع انها خسرت الحرب ، وهذه الخسارة لن تكون دون تكلفة باهضة مثلما ان اليمن دفع تكلفة باهضة في حرب ظالمة عليه.
سيتوجه بايدن نحو عودة التسوية مع ايران ، وكيفما كان شكل هذه التسوية ستكون على حساب السعودية أيضا ، وبالتالي تأثيراتها سترتد على المستوى الاقليمي ، وبما أن استراتيجية الحزب الديمقراطي والبيت الابيض ستبدأ بمعالجة الداخل الامريكي مع التأثيرات التي تركها كوفيد 19 الصحية والاقتصادية فإن العامين القادمين لن تشهد اي تحولات في مختلف الملفات مع توقف سياسة العقوبات التي سلكها ترامب ، هذا الجو المعتدل لن يكون مناسبا مع سخونة الازمات السعودية وتعقيداتها في اليمن ، بينما سيكون هذا الوقت متاح لاستكمال استعادة صنعاء للمناطق التي لا تخضع لسيطرتها بالتزامن مع انخفاض الدعم الامريكي للسعودية .
* المصدر : رأي اليوم