ليست المرة الأولى التي تُسقِط فيها وسائط الدفاع الجوي للجيش واللجان الشعبية اليمنية طائرة لتحالف العدوان، اذا كانت من القاذفات أو من المسيرات الخاصة بالمراقبة أو بالقتال، فهي المرة الرابعة التي يتم فيها اسقاط طائرة مسيرة لتحالف العدوان من نوع سي اتش 4 الصينية، الأكثر تطورًا في عالم المسيرات، ولكن قد يكون لهذا الاسقاط الأخير للمسيّرة المذكورة، أكثر من بعد عسكري واستراتيجي، يؤشر بلا شك لتحول أساسي ومصيري في الحرب على اليمن، وذلك على الشكل التالي:
تعتبر المسيرة “سي اتش 4” الصينية التي تم اسقاطها من أكثر المسيرات تطورًا وفعالية في عالم الطيران المسير، حيث تعمل كطائرة مراقبة بعيدة ودقيقة، وفي نفس الوقت مقاتلة، اذ تحمل صورايخ موجهة ضد المدرعات والتحصينات، ومدى عملها الذي يتجاوز الخمسة آلاف كلم، وعلى ارتفاع غير بسيط في عالم المسيرات (بين 5000 و8000 متر)، يسمح لها بتنفيذ مهماتها لفترة طويلة دون العودة الى قاعدة اطلاقها، مما يعطي عمليات العدوان قدرة مهمة على متابعة مراقبة الميدان والامساك به بفعالية، كما أن ارتباطها المباشر تقنيًا وهوائيًا بغرفة العمليات، يؤمن ميزة التزويد بالمعلومات وبنفس الوقت التعامل مع الأهداف التي تظهر بشكل مفاجئ.
سقوط الطائرة في منطقة مدغل والتي تمثل حاليًا منطقة العمليات الأكثر سخونة، حيث تقع مباشرة على أبواب مأرب الغربية، يفقد العدوان ومرتزقته، وبنسبة كبيرة، فرصة المراقبة الفعالة لميدان القتال، وذلك بعد خسارتهم معسكر ماس الذي طالما شكل نقطة استطلاع ودفاع متقدمة عن مارب، وبعد استهداف وتدمير غرفة عمليات التحالف في تداوين وإخراجها من الخدمة.
اليوم، وبعد هذا الاسقاط الناجح للمسيرة المتطورة سي اتش 4 الصينية، الذي يشكل تهديدًا جديًا لحركة طائرات العدوان، المسيّرة أو القاذفة، أصبحت تحركات وحدات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله محمية بالحد الادنى الذي يسمح لها بتفعيل عملياتها الهجومية أكثر، وبتحقيق تماس أقرب مع أسوار مدينة مارب النهائية، خاصة ان طيران العدوان، المسير والقاذف، طالما كان يشكل النقطة الرابحة الوحيدة لعملياته في مواجهات الداخل اليمني.
الأهم في الموضوع، وفي متابعة عملية الاسقاط وما أعلن عنه المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع، بأن العملية تمت بواسطة سلاح دفاع جوي مناسب، دون تحديد نوعيته أو مميزاته أو أية تفاصيل تقنية أو فنية أو عسكرية تتعلق به، انه يمكن وضع ذلك في خانة استراتيجية الغموض البناء التي تتبعها حركة “انصار الله” وأغلب أطراف محور المقاومة، حيث يتم اختيار التوقيت المناسب للاعلان عن قدرات ومميزات هذه الأسلحة النوعية، الأمر الذي يمكن أن نستنتج منه التالي:
– لم تعد مناورة التأثير المعنوي على العدو بالاعلان عن القدرات النوعية ضرورية كما في بداية المواجهة، فاليوم، حققت وحدات انصار الله الكثير من النقاط المتقدمة فيما خص الضغط المعنوي والاعلامي على العدوان، وأصبحت حاجة المعركة الأساسية والتي يمكن القول إنها في مراحلها الأخيرة، تتعلق بتحقيق المفاجأة في الميدان، وهذا ما لمسناه من متابعة اغلب معارك التحرير الاخيرة ، مثل “نصر من الله” و”البنيان المرصوص” و”فأمكن منهم”، وأيضًا معركة تحرير مناطق البيضاء والضالع من الوحدات الارهابية، حيث تم الاعلان عن كل تلك المعارك – والتي امتد بعضها لأسابيع أو أشهر – بعد انتهائها وبعد الانتصار فيها واستثمار النجاح.
– يبدو أيضًا، ومن خلال عدم الافصاح عن نوعية ومميزات سلاح الدفاع الجوي (المناسب) كما وصفه فقط تصريح المتحدث العسكري اليمني، أن معركة تحرير مأرب ستكون حاسمة وفاصلة، فرأت قيادة الجيش واللجان وأنصار الله، أنه من الضروري الابقاء على مناورة الدفاع الجوي مخفية وغير معروفة، بهدف اكتمال عنصر المفاجأة والصدمة في الميدان وأثناء المواجهة، وأيضًا بهدف إفقاد العدوان امكانية ايجاد إجراء عسكري أو تقني أو ردة فعل مناسبة لتجاوز فعالية الدفاع الجوي اليمني (المناسب).
هذا في البعد العسكري والميداني العملياتي، أما في البعد الاستراتيجي لنتائج هذا الاسقاط اللافت لطائرة المراقبة السعودية الاستعمال والصينية المنشأ، فيمكن تحديدها بالتالي:
– بمجرد أن تضعف مناورة المراقبة الجوية ومناورة الطيران القاذف لدى العدوان، فهذا يعني أن حركته البرية والميدانية على الأرض سوف تفقد أهم عنصر دعم (التغطية والمراقبة الجوية)، مما يشكل تفوقًا جديًا، وواضحًا للحركة البرية لوحدات الجيش واللجان الشعبية و”أنصار الله”، الأمر الذي يضع معركة العدوان بشكل عام في خانة الفشل والتقهقر والهزيمة، حيث لم يعد لدى الأخير أية امكانية لاعادة تصويب حربه، وعليه بالتالي البحث عن مخرج من المستنقع الذي وضع نفسه به.
– من ناحية أخرى، وأيضًا بمجرد فشل العدوان في حربه على اليمن، فهذا الفشل سينسحب على مخططات الدول الغربية الداعمة للعدوان، أي الولايات المتحدة الأميركية و”اسرائيل” درجة أولى، وما نتابعه من محاولات للصهاينة، وبدعم خليجي واماراتي بالتحديد، لوضع نقاط ارتكاز بحرية على سواحل اليمن الجنوبية في سقطرى أو الجنوبية الغربية قرب باب المندب، سوف تكون مهددة بالفشل أيضًا، كون حركة التحرير البرية المرتقبة، والتي ستقودها حتمًا وحدات الجيش واللجان و”انصار الله” من الوسط الشرقي في مأرب بعد تحريرها، وامتدادا نحو شبوة وأبين فالسواحل الجنوبية، ستضرب اية امكانية لنقاط الارتكاز الصهيوينة تلك، وبالتالي سيخسر العدوان اضافة الى خسارة المعركة البرية في عمق الميدان اليمني، ستذهب ايضا مخططاته على سواحل اليمن ومعابره المائية الاستراتيجية هباءً، والتي كانت بأساس أهداف هذا العدوان على اليمن.